Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 18-28)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وأن المساجد لله } فيها أربعة أقوال . أحدها : أنها المساجد التي هي بيوت الصلوات ، قاله ابن عباس . قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعَهُم أشركوا ، فأمر الله عز وجل المسلمين أن يخلصوا له إذا دخلوا مساجدهم . والثاني : الأعضاء التي يسجد عليها العبد ، قاله سعيد بن جبير ، وابن الأنباري ، وذكره الفراء . فيكون المعنى ، لا تسجدوا عليها لغيره . والثالث : أن المراد بالمساجد هاهنا : البقاع كلُّها ، قاله الحسن . فيكون المعنى : أن الأرض كلها مواضع للسجود ، فلا تسجدوا عليها لغير خالقها . والرابع : أن المساجد : السجود ، فإنه جمع مسجد . يقال : سجدت سجوداً ، ومَسْجِداً ، كما يقال : ضربت في الأرض ضرباً ، ومَضْرِباً ، ثم يجمع ، فيقال : المسَاجِد ، والمضارِب . قال ابن قتيبة : فعلى هذا يكون واحدها : مَسْجَداً ، بفتح الجيم . والمعنى : أَخْلِصُوا له ، ولا تسجدوا لغيره . ثم رجع إلى ذكر الجن فقال تعالى : { وأنه لما قام عبد الله } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { يدعوه } أي : يعبده . وكان يصلي ببطن نخلة على ما سبق بيانه في [ الأحقاف : 29 ] { كادوا يكونون عليه لِبَداً } قرأ الأكثرون : « لبداً » بكسر اللام ، وفتح الباء . وقرأ هشام عن ابن عامر ، وابن محيصن « لُبَداً » بضم اللام ، وفتح الباء مع تخفيفها . قال الفراء : ومعنى القراءتين واحد . يقال : لِبَدة ، ولُبَدة . قال الزجاج : والمعنى : كاد يركب بعضهم بعضاً . ومنه اشتقاق اللبد الذي يفترش . وكل شيء أضفته إلى شيء فقد لَبَّدته . وقرأ قوم منهم الحسن ، والجحدري : « لُبَّداً » بضم اللام مع تشديد الباء . قال الفراء : فعلى هذه القراءة يكون صفة للرجال ، كقولك : رُكَّعاً وركوعاً ، وسُجَّداً وسجوداً . قال الزجاج : هو جمع لابد ، مثل راكع ، وركَّع . وفي معنى الآية ثلاثة أقوال . أحدها : أنه إخبار الله تعالى عن الجن يحكي حالهم . والمعنى : أنه لما قام يصلي كاد الجن لازدحامهم عليه يركب بعضهم بعضاً ، حِرْصاً على سماع القرآن ، رواه عطية عن ابن عباس . والثاني : أنه من قول الجن لقومهم لما رجعوا إليهم ، فوصفوا لهم طاعة أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وائتمامهم به في الركوع ، والسجود ، فكأنهم قالوا : لما قام يصلي كاد أصحابه يكونون عليه لبداً . وهذا المعنى في رواية ابن جبير ، عن ابن عباس . والثالث : أن المعنى : لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدَّعوة تلبَّدت الإنس والجن ، وتظاهروا عليه ، ليبطلوا الحق الذي جاء به ، قاله الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . قوله تعالى : { قل إنما أدعوا ربي } قرأ عاصم ، وحمزة : « قل إنما أدعو ربي » بغير ألف . وقرأ الباقون « قال » على الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال مقاتل : إن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك جئت بأمر عظيم ، لم يسمع بمثله فارجع عنه ، فنزلت هذه الآية . قوله تعالى : { قل لا أملك لكم ضراً } أي : لا أدفعه عنكم { ولا } أسوق إليكم { رَشَداً } أي : خيراً ، أي : إن الله تعالى يملك ذلك ، لا أنا { قل إني لن يجيرني من الله أحد } أي : إن عصيته لم يمنعني منه أحد ، وذلك أنهم قالوا : اترك ما تدعو إليه ، ونحن نجيرك { ولن أجد من دونه ملتحداً } وقد بيَّنَّاه في [ الكهف : 27 ] { إلا بلاغاً من الله } فيه وجهان ، ذكرهما الفراء . أحدهما : أنه استثناء من قوله تعالى { لا أملك لكم ضراً ولا رشداً } إلا أن أبلغكم . والثاني : لن يجيرني من الله أحد إِن لم أبلِّغ رسالته . وبالأول قال ابن السائب . وبالثاني : قال مقاتل . وقال بعضهم : المعنى : لن يجيرني من عذاب الله إلا أن أبلّغ عن الله ما أُرسِلْتُ ، فذلك البلاغ هو الذي يجيرني { ومن يعص الله ورسوله } بترك الإيمان والتوحيد . قوله تعالى : { حتى إذا رأَوْا } يعني : الكفار { ما يوعدون } من العذاب في الدنيا ، وهو القتل . وفي الآخرة { فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقل عدداً } أي : جنداً ونصراً ، أهم ، أم المؤمنون ؟ { قل إن أدري } أي : ما أدري { أقريب ما توعدون } من العذاب { أم يجعل له ربي أمداً } أي : غاية وبُعْداً . وذلك لأن علم الغيب لله وحده { فلا يُظهِر } أي : فلا يُطلِع على غيبه الذي يعلمه أحداً من الناس { إِلا من ارتضى من رسول } لأن من الدليل على صدق الرسل إخبارَهم بالغيب . والمعنى : أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه . وفي هذا دليل على أن من زعم أن النجوم تدل على الغيب فهو كافر . ثم ذكر أنه يحفظ ذلك الذي يطلع عليه الرسول فقال تعالى : { فإنه يسلك من بين يديه } أي : من بين يدي الرسول { ومِن خلفه رَصَداً } أي : يجعل له حَفَظَةً من الملائكة يحفظون الوحي من أن تَسْتَرِقَه الشياطين ، فتلقيه إلى الكَهَنة ، فيتكلَّمون به قبل أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم الناس . وقال الزجاج : يسلك من بين يَدَيْ الملَك ومن خلفه رصداً . وقيل يسلك من بين يدي الوحي . فالرُّصَّدُ من الملائكة يدفعون الشياطين عن أن تستمع ما ينزل من الوحي . قوله تعالى : { ليعلم } فيه خمسة أقوال . أحدها : ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن جبرائيل قد بلَّغ إليه ، قاله ابن جبير . والثاني : ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله { قد أبلغوا رسالاتِ رِّبهم } وأن الله قد حفظها فدفع عنها ، قاله قتادة . والثالث : ليعلم مكذبو الرسل أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم ، قاله مجاهد . والرابع : ليعلم الله عز وجل ذلك موجوداً ظاهراً يجب به الثواب ، فهو كقوله تعالى : { ولمَّا يعلمِ الله الذين جاهدوا منكم } [ آل عمران : 142 ] قاله ابن قتيبة . والخامس : ليعلم النبيُّ أن الرسل قد أتته ، ولم تصل إلى غيره ، ذكره الزجاج . وقرأ رويس عن يعقوب { ليُعْلَم } بضم الياء على ما لم يسم فاعله . وقال ابن قتيبة : ويُقرأ { لتَعْلَم } بالتاء ، يريد : لتعلم الجن أن الرسل قد بلَّغت عن إلههم بما رَجَوْا من استراق السمع { وأحاط بما لديهم } أي : علم الله ما عند الرسل { وأحصى كل شيء عدداً } فلم يفته شيء حتى الذَّرّ والخردل .