Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-17)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قل أُوحيَ إليَّ أنه استمع نَفَرٌ من الجن } قد ذكرنا سبب نزول هذه الآية في [ الأحقاف : 29 ] وبَيَّنَّا هنالك سبب استماعهم . ومعنى « النفر » وعَدَدَهم ، فأما قوله تعالى : { قرآناً عجبا } فمعناه : بليغاً يعجب منه لبلاغته { يهدي إلى الرُّشد } أي : يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان { ولن نشرك بربنا } أي : لن نعدل بربنا أحداً من خلقه . وقيل : عنوا إبليس ، أي : لا نطيعه في الشرك بالله . قوله تعالى : { وأنه تعالى جَدُّ رَبِّنا } اختلف القراء في اثنتي عشرة همزة في هذه السورة ، وهي : « وأنه تعالى » ، « وأنه كان يقول » ، « وأنا ظننا » ، « وأنه كان رجال » ، « وأنهم ظنوا » ، « وأنا لمسنا » ، « وأنا كنا » ، « وأنا لا ندري » ، « وأنا منا » ، « وأنا ظننا أن لن نعجز الله » ، « وأنا لما سمعنا » ، « وأنا منا » ، ففتح الهمزة في هذه المواضع ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، وحفص عن عاصم ، ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة مواضع « وأنه تعالى » ، « وأنه كان يقول » ، « وأنه كان رجال » ، وكسر الباقيات . وقرأ الباقون بكسرهن . وقال الزجاج : والذي يختاره النحويون في هذه السورة أن ما كان من الوحي قيل فيه « أن » بالفتح ، وما كان من قول الجن قيل « إن » بالكسر . معطوف على قوله تعالى : { إنا سمعنا قرآناً عجباً } وعلى هذا يكون المعنى : وقالوا : إنه تعالى جَدُّ ربنا ، وقالوا : إنه كان يقول سفيهنا . فأما من فتح ، فذكر بعض النحويين : يعني الفراء ، أنه معطوف على الهاء في قوله تعالى : { فآمنا به } وبأنه تعالى جَدُّ رَبِّنا . وكذلك ما بعد هذا . وهذا رديء في القياس ، لا يعطف على الهاء المتمكّنة المخفوضة إلا بإظهار الخافض . ولكن وجهه أن يكون محمولاً على معنى أمنَّا به ، فيكون المعنى : وصدَّقْنا أنه تعالى جَدُّ رَبِّنا . وللمفسرين في معنى « تعالى جَدُّ رَبِّنا » سبعة أقوال . أحدها : قُدْرَةُ رَبِّنا ، قاله ابن عباس . والثاني : غِنى رَبِّنا ، قاله الحسن . والثالث : جَلاَلُ رَبِّنا ، قاله مجاهد ، وعكرمة . والرابع : عَظَمَةُ رَبِّنا ، قاله قتادة . والخامس : أَمْرُ رَبِّنا ، قاله السدي . والسادس : ارتفاع ذِكره وعظمته ، قاله مقاتل . والسابع : مُلْكُ رَبِّنا وثناؤه وسلطانه ، قاله أبو عبيدة . { وأنه كان يقول سفيهنا } فيه قولان . أحدهما : أنه إبليس ، قاله مجاهد ، وقتادة . والثاني : أنه كفارهم ، قاله مقاتل . و « الشطط » : الجَوْر ، والكذب ، وهو : وصفه بالشريك ، والولد . ثم قالت الجن { وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً } وقرأ يعقوب : « أن لن تَقَوَّلَ » بفتح القاف ، وتشديد الواو . والمعنى : ظنناهم صادقين في قولهم : لله صاحبة وولد ، وما ظننَّاهم يكذبون حتى سمعنا القرآن ، يقول الله عز وجل « وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن » وذلك أن الرجل في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في قفر من الأرض قال : أعوذ بِسِّيدِ هذا الوادي من شَرِّ سُفَهَاءِ قومه ، فيبيت في جِوارٍ منهم حتى يصبح . ومنه حديث كردم بن أبي السائب الأنصاري ، قال خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة ، وذلك أول ما ذُكِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء ذئب ، فأخذ حملاً من الغنم ، فوثب الراعي فنادى : يا عامر الوادي جارك ، فنادى منادٍ لا نراه : يا سرحان أرسله . فإذا الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة ، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم « وأنه كان رجال من الإنس … » الآية . وفي قوله تعالى : { فزادوهم رهقاً } قولان . أحدهما : أن الإنس زادوا الجن رهقاً لتعوُّذهم بهم ، قاله مقاتل . والمعنى : أنهم لما استعاذوا بسادتهم قالت السادة : قد سدنا الجن والإنس . والثاني : أن الجن زادوا الإنس رَهَقاً ، ذكره الزجاج . قال أبو عبيدة : زادوهم سَفَهَاً وطغياناً . وقال ابن قتيبة : زادوهم ضلالاً . وأصل الرهق : العيب . ومنه يقال : فلان يرهق في دينه . قوله تعالى : { وأنهم ظنوا } يقول الله عز وجل : ظن الجن { كما ظننتم } أيها الإنس المشركون أنه لا بعث . وقالت الجن : { وأنا لمسنا السماء } أي : أتيناها { فوجدناها ملئت حَرَساً شديداً } وهم الملائكة الذين يحرسونها من استراق السمع { وشُهُباً } جمع شهاب ، وهو النجم المضيء { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع } أي : كنا نستمع ، فالآن حين حاولنا الاستماع بعد بعث محمد صلى الله عليه وسلم ، رُمِينا بالشُّهُب . ومعنى : « رصداً » قد أرصد له المرمى به { وأنا لا ندري أَشَرٌّ أريدَ بمن في الأرض } بإرسال محمد إليهم ، فيكذبونه فيهلكون { أم أراد بهم ربهم رشداً } وهو أن يؤمنوا فيهتدوا ، قاله مقاتل . والثاني : أنه قول كفرة الجن ، والمعنى : لا ندري أشرٌّ أريدَ بمن في الأرض بحدوث الرجم بالكواكب ، أم صلاح ؟ قاله الفراء . ثم أخبروا عن حالهم ، فقالوا : { وأنا مِنَّا الصالحون } وهم المؤمنون المخلصون { ومِنَّا دون ذلك } فيه قولان . أحدهما : أنهم المشركون . والثاني : أنهم أهل الشرِّ دون الشرك { كنَّا طرائق قدداً } قال الفراء : أي : فرقاً مختلفة أهواؤنا . وقال أبو عبيدة : واحد الطرائق : طريقة ، وواحد القِددِ : قدة ، أي : ضروباً وأجناساً ومِلَلاً . قال الحسن ، والسدي : الجن مثلكم فمنهم قَدَرِيَّة ، ومرجِئَةٌ ، ورافضة . قوله تعالى : { وأنا ظننا } أي : أيقنَّا { أن لن نعجز الله في الأرض } أي : لن نَفُوتَه إِذا أراد بنا أمراً { ولن نعجزه هَرَباً } أي : أنه يدركنا حيث كنَّا { وأنا لمَّا سمعنا الهدى } وهو القرآن الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم { آمنَّا به } أي : صدَّقنا أنه من عند الله عز وجل { فمن يؤمنْ بربه فلا يخاف بخساً } أي : نقصاً من الثواب { ولا رَهَقاً } أي : ولا ظلماً ومكروهاً يغشاه ، { وأنا منَّا المسلمون } قال مقاتل : المخلصون لله { ومِنَّا القاسطون } وهم المَرَدَة . قال ابن قتيبة : القاسطون : الجائرون . يقال : قسط : إذا جار ، وأقسط : إذا عدل . قال المفسرون : هم الكافرون { فمن أسلم فأولئك تَحَرَّوا رشداً } أي : تَوَخَّوْه ، وأَمَّوْه . ثم انقطع كلام الجن . قال مقاتل : ثم رجع إلى كفار مكة فقال تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة } يعني طريقة الهدى ، وهذا قول ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، واختاره الزجاج . قال لأن الطريقة هاهنا بالألف واللام معرفة ، فالأوجب أن تكون طريقة الهدى . وذهب قوم إلى أن المراد بها : طريقة الكفر ، قاله محمد بن كعب ، والربيع ، والفراء ، وابن قتيبة ، وابن كيسان . فعلى القول الأول يكون المعنى : لو آمنوا لوسَّعنا عليهم { لِنَفْتِنَهم } أي : لنختبرَهم { فيه } فننظر كيف شُكْرُهم . والماء الغَدَق : الكثير . وإنما ذكر الماء مثلاً ، لأن الخير كله يكون بالمطر ، فأقيم مقامه إِذ كان سببه وعلى الثاني يكون المعنى : لو استقاموا على الكفر فكانوا كفاراً كلهم ، لأكثرنا لهم المال لنفتنهم فيه عقوبة واستدارجاً ، ثم نعذبهم على ذلك . وقيل لأكثرنا لهم الماء فأغرقناهم ، كقوم نوح { ومن يُعْرِضْ عن ذِكْرِ ربِّه } يعني : القرآن { يسلكْه } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر « نسلكه » بالنون . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي بالياء . { عذاباً صعداً } قال ابن قتيبة : أي : عذاباً شاقاً ، يقال : تصعَّدني الأمر : إذا شَقَّ علي . ومنه قول عمر : ما تَصَعَّدني شيء ما تصعَّدَتني خِطْبَةُ النِّكاح . ونرى أصل هذا كله من الصعود ، لأنه شاق ، فكني به عن المشَقَّات . وجاء في التفسير أنه جبل في النَّار يكلَّف صعوده ، وسنذكره عند قوله تعالى : { سأرهقه صعوداً } [ المدثر : 17 ] إن شاء الله تعالى .