Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 1-37)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فأما سبب نزولها ، فروى البخاري ومسلم في « صحيحيهما » من حديث جابر بن عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جاورت بِحِرَاء شهراً ، فلما قضيت جواري ، نزلتُ فاستَبْطَنْتُ بطن الوادي ، فنوديتُ ، فنظرت أمامي ، وخلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي ، فلم أر أحداً ، ثم نوديتُ فرفعتُ رأسي ، فإذا هو في الهواء ( يعني : جبريل عليه السلام ) فأقبلتُ إِلى خديجة ، فقلت دَثِّروني دَثِّروني ، فأنزل الله عز وجل { يا أيها المدثر قم فأنذر } " قال المفسرون : فلما رأى جبريل وقع مغشياً عليه ، فلما أفاق دخل إلى خديجة ، ودعا بماءٍ فصبَّه عليه ، وقال : دثِّروني ، فدثَّروه بقطيفة ، فأتاه جبريل فقال { يا أيها المدِّثر } وقرأ أُبَيُّ بن كعب ، وأبو عمران ، والأعمش ، « المتدثِّر » بإظهار التاء . وقرأ أبو رجاء ، وعكرمة ، وابن يعمر ، « المدثر » بحذف التاء ، وتخفيف الدال . قال اللغويون : وأصل « المدَّثِّر » المتدثر ، فأدغمت التاء ، كما ذكرنا في المتَزَمِّل ، وهذا في قول الجمهور من التدثير بالثياب . وقيل : المعنى : يا أيها المدثر بالنبوَّة ، وأثقالها ، قال عكرمة : دُثِّرْتَ هذا الأمر فقم به . قوله تعالى : { قم فأنذر } كفارَ مكة العذابَ إن لم يُوحِّدوا { وربَّك فكبِّر } أي : عظِّمه عما يقول عبدة الأوثان { وثيابَك فطهِّر } فيه ثمانية أقوال . أحدها : لا تلبسها على معصية ، ولا على غدر . قال غيلان بن سلمة الثقفي : @ وَإني بِحَمْدِ الله لاَ ثَوْبَ فَاجِرٍ لَبِسْتُ وَلاَ مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ @@ روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس . والثاني : لا تكن ثيابُك من مكسب غير طاهر ، روي عن ابن عباس أيضاً . والثالث : طهر نفسك من الذنب ، قاله مجاهد ، وقتادة . ويشهد له قول عنترة : @ فَشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيَابَهُ لَيْسَ الكَرِيمُ عَلَى القَنَا بِمُحرَّمِ @@ أي : نفسه ، وهذا مذهب ابن قتيبة . قال : المعنى : طهر نفسك من الذنوب ، فكنى عن الجسم بالثياب ، لأنها تشتمل عليه . قالت ليلى الأخيلية وذَكَرَتْ إبلاً : @ رَمَوْها بأثواب خِفَافٍ فلا ترى لَهَا شَبَهَاً إلا النَّعَام المُنَفَّرا @@ أي : ركبوها ، فَرَمَوْها بأنفسهم . والعرب تقول للعفاف : إزارٌ ، لأن العفيف كأنه استتر لما عَفَّ . والرابع : وعَمَلَكَ فَأصْلِحْ ، قاله الضحاك . والخامس : خُلُقَكَ فَحَسِّنْ ، قاله الحسن ، والقرظي . والسادس : وَثِيَابَك فَقَصِّرْ وشَمِّرْ ، قاله طاووس . والسابع : قَلْبَكَ فَطَهِّرْ ، قاله سعيد بن جبير . ويشهد له قول امرىء القيس : @ فَإنْ يَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِني خَلِيقَةٌ فَسُلِّي ثِيابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ @@ أي : قلبي من قلبك . والثامن : اغسل ثيابك بالماء ، ونقِّها ، قاله ابن سيرين ، وابن زيد . قوله تعالى : { والرُّجْزَ فَاهْجُرْ } قرأ الحسن ، وأبو جعفر ، وشيبة ، وعاصم ، إِلا أبا بكر ، ويعقوب ، وابن محصين ، وابن السميفع ، « والرُّجزَ » بضم الراء . والباقون : بكسرها . ولم يختلفوا في غير هذا الموضع . قال الزجاج : ومعنى القراءتين واحد . وقال أبو علي : قراءة الحسن بالضم ، وقال : هو اسم صنم . وقال قتادة : صنمان : إساف ، ونائلة ، ومن كسر ، فالرّجز : العذاب . فالمعنى : ذو العذاب فاهجر . وفي معنى « الرجز » للمفسرين ستة أَقوال . أحدها : أنه الأصنام ، والأوثان ، قاله ابن عباس . ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهري ، والسدي ، وابن زيد . والثاني : أنه الإثم ، روي عن ابن عباس أيضاً . والثالث : الشرك ، قاله ابن جبير ، والضحاك . والرابع : الذنب ، قاله الحسن . والخامس : العذاب ، قاله ابن السائب ، قال الزجاج : الرجزُ في اللغة : العذاب . ومعنى الآية : اهجر ما يؤدِّي إلى عذاب الله . والسادس : الشيطان ، قاله ابن كيسان . { ولا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر } فيه أربعة أقوال . أحدها : لا تعط عطيَّة تلتمس بها أفضل منها ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة ، قال المفسرون : معناه : أَعْطِ لِربّك وأرد به الله ، فأدَّبه بأشرفِ الآداب . ومعنى « لا تمنن » : لا تعط شيئاً من مالك لتُعطَى أكثر منه ، وهذا الأدب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وليس على أحد من أمته إثم أن يهديَ هدية يرجو بها ثواباً أكثر منها . والثاني : لا تمنن بعملك تستكثره على ربك ، قاله الحسن . والثالث : لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه ، قاله مجاهد . والرابع : لا تمنن على الناس بالنُّبُوَّة لتأخذ عليها منهم أجراً ، قاله ابن زيد . { ولربك } فيه أربعة أقوال . أحدها : لأجل ربك . والثاني : لثواب ربك . والثالث : لأمر ربك . والرابع : لوعْدِ ربِّك { فاصبر } فيه قولان . أحدهما : على طاعته وفرائضه . والثاني : على الأذى والتكذيب . قوله تعالى : { فإذا نقر في الناقور } أي : نفخ في الصور . وهل هذه النفخة هي الأولى أو الثانية ؟ فيه قولان { فذلك يومئذ يوم عسير } أي : يعسر الأمر فيه { على الكافرين غير يسير } غير هَيِّن { ذَرْني } قد شرحناه في [ المزمل : 11 ] { ومن خلقتُ } أي : ومن خلقته { وحيداً } فيه قولان . أحدهما : خلقته وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد ، قاله مجاهد . والثاني : خلقته وحدي لم يَشْركني في خَلْقِهِ أحَدٌ ، قاله الزجاج . قال ابن عباس : جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رَقَّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل ، فأتاه ، فقال : يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً . فإِنك أتيت محمداً تتعرَّض لما قِبَله ، فقال : قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً ، قال : فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنَّك منكر له ، قال : وماذا أقول ؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، فوالله ما يشبهها الذي يقول ، والله إن لقوله حلاوة ، وإن عليه طلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدِقٌ أسفلُه ، وإنه ليعلو ولا يُعلى . قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكر فيه . فقال : هذا سحر يؤثر : يأثره عن غيره ، فنزلت { ذرني ومن خلقت وحيداً … } الآيات كلُّها . وقال مجاهد : قال الوليد لقريش : إن لي إِليكم حاجة فاجتمعوا في دار الندوة ، فقال : إنكم ذوو أحساب وأحلام ، وإن العرب يأتونكم ، وينطلقون من عندكم على أمر مختلف ، فأجمعوا على شيء واحد . ما تقولون في هذا الرجل ؟ قالوا : نقول إِنه شاعر ، فعبس عندها ، وقال : قد سمعنا الشعر فما يشبه قوله الشعر . فقالوا : نقول : إنه كاهن ، قال : إِذن يأتونه فلا يجدونه يحدث بما يحدث به الكهنة ، قالوا : نقول : إِنه مجنون ، قال : إذن يأتونه فلا يجدونه مجنوناً . فقالوا : نقول : إنه ساحر . قال : وما الساحر ؟ قالوا بشر يحبِّبون بين المتباغضين ، ويبغِّضون بين المتحابين ، قال : فهو ساحر ، فخرجوا لا يلقى أحد منهم النبي إِلا قال : يا ساحر ، فاشتد ذلك عليه ، فأنزل الله عز وجل « يا أيها المدثر » إِلى قوله تعالى « إنْ هذا إِلا سحر يؤثر » وذكر بعض المفسرين : أن قوله تعالى : { ذرني ومن خلقت وحيداً } منسوخ بآية السيف ، ولا يصح . قوله تعالى : { وجعلت له مالاً ممدوداً } في معنى الممدود ثلاثة أقوال . أحدها : كثيراً ، قاله أبو عبيدة . والثاني دائماً ، قاله ابن قتيبة . والثالث : غير منقطع ، قاله الزجاج . وللمفسرين في مقداره أربعة أقوال . أحدها : غَلَّة شهر بشهر قاله عمر بن الخطاب . والثاني : ألف دينار ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، قال الفراء : نرى أن الممدود : جُعِلَ غاية للعدد ، لأن « ألف » غاية للعدد يرجع في أول العدد من الألف . والثالث : أربعة آلاف ، قاله قتادة . والرابع : أنه بستان كان له بالطائف لا ينقطع خيره شتاءً ولا صيفاً ، قاله قاتل . قوله تعالى : { وبنين شهوداً } أي : حضورا معه لا يحتاجون إلى التصرُّف والسَّفر فيغيبوا عنه . وفي عددهم أربعة أقوال . أحدها : عشرة ، قاله مجاهد ، وقتادة . والثاني : ثلاثة عشر ، قاله ابن جبير . والثالث : اثنا عشر ، قاله السدي . والرابع : سبعة ، قاله مقاتل . { ومهَّدت له تمهيداً } أي : بسطت له العيش ، وطول العمر ، { ثم يطمع أن أزيد } فيه قولان . أحدهما : يطمع أن أدخله الجنة ، قاله الحسن . والثاني : أن أزيده من المال والولد ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { كلا } أي : لا أفعل ، فمنعه الله المالَ والوَلدَ حتى مات فقيراً { إنه كان لآياتنا عنيداً } أي : معانداً . وفي المراد بالآيات هنا ثلاثة أقوال . أحدها : أنه القرآن ، قاله ابن جبير . والثاني : الحق ، قاله مجاهد . والثالث : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي . قوله تعالى : { سأُرْهِقُه صَعُوداً } قال الزجاج : سأحمله على مشقة من العذاب . وقال غيره : سأكلِّفه مشقةً من العذاب لا راحة له منها ، وقال ابن قتيبة : « الصَّعود » : العقبة الشاقة ، وكذلك « الكؤود » . وفي حديث أبي سعيد عن نبي الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : « سأرهقه صَعوداً » قال : جبل من نار يكلَّف أن يصعده ، فإذا وضع رجله عليها ذابت ، فإذا رفعها عادت . يصعد سبعين خريفاً ، ثم يهوي فيه كذلك أبداً ، وذكر ابن السائب ، أنه جبل من صخرة ملساء في النار ، يكلَّف أن يصعَدها حتى إِذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلَّف أن يصعَدها ، فذلك دأبه أبداً ، يجذب من أمامه سلاسل الحديد ، ويضرب من خلفه بمقامع الحديد ، فيصعدها في أربعين سنة . قوله تعالى : { إنَّه فَكَّر } أي : تفكر ماذا يقول في القرآن { وقَدَّر } القول في نفسه { فقُتِلَ } أي : لعن { كيف قَدَّر ثم قُتِلَ كيف قَدَّر } أي : لُعِن على أي حال قَدَّر ما قدَّر من الكلام . وقيل : « كيف » هاهنا بمعنى التعجب والإنكار والتوبيخ . وإنما كرر تأكيداً { ثم نَظَرَ } في طلب ما يدفع به القرآن ، ويردُّه { ثم عبس وبسر } قال اللغويون : أي : كَرَّهَ وَجْهَهُ وقطَّب . يقال : بسر الرجل وجهه ، أي : قبضه . وأنشدوا لتَوْبَةَ : @ وقَدْ رَابَني مِنْها صُدُودٌ رَأَيْتُهُ وَإِعْرَاضُها عن حَاجتي وبُسُورُها @@ قال المفسرون : كرَّه وجهه ، ونظر بكراهية شديدة ، كالمهتمّ المتفكِّر في الشيء { ثم أدبر } عن الإيمان { واستكبر } أي : تكبر حين دعي إليه { فقال إنْ هذا } أي : ما هذا القرآن { إلا سحر يؤثر } أي : يُروى عن السَّحَرة { إنْ هذا إِلا قول البشر } أي : من كلام الإنس ، وليس من كلام الله تعالى ، فقال الله تعالى : { سأُصليه سقر } أي : سأدخله النار . وقد ذكر « سقر » في سورة [ القمر : 48 ] { وما أدراك ما سقر } لِعِظَم شَأْنِها { لا تُبقي ولا تذر } أي : لا تبقي لهم لحماً إلا أكلته ، ولا تذرهم إذا أُعيدوا خلقاً جديداً { لَوَّاحَةٌ } أي : مغيِّرة . يقال : لاحته الشمس ، أي : غيَّرتْه وأنشدوا : @ يا ابْنَةَ عَمِّي لاَحَني الهواجر @@ وقرأ ابن مسعود ، وابن السميفع ، وابن أبي عبلة ، « لوَّاحةً » بالنصب . وفي البَشَر قولان . أحدهما : أنه جمع بشرة ، وهي جلدة الإنسان الظاهرة ، وهذا قول مجاهد ، والفراء ، والزجاج . والثاني : أنهم الإنس من أهل النار ، قاله الأخفش ، وابن قتيبة ، في آخرين . قوله تعالى : { عليها تسعة عشر } وهم خُزَّانها ، مالك ومعه ثمانية عشر ، أعينهم كالبرق الخاطف ، وأنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة ، يسع كَفّ أحدهم مثل ربيعة ومضر . قد نزعت منهم الرحمة . فلما نزلت هذه الآية قال أبو جهل : يخوِّفكم محمد بتسعة عشر ، أما له من الجنود إلا هؤلاء ! أيعجز كل عشرة منكم أن يبطش بواحد منهم ، ثم يخرجون من النار ! فقال أبو الأشدين : قال مقاتل : اسمه : أسيد بن كلدة . وقال غيره : كلدة بن خلف الجمحي ـ : يا معشر قريش : أنا أمشي بين أيديكم فأرفع عشرة بمنكبي الأيمن ، وتسعة بمنكبي الأيسر ، فندخل الجنة ، فأنزل الله تعالى { وما جعلنا أصحاب النار إِلا ملائكة } لا آدميين ، فمن يطيقهم ومن يغلبهم ؟ ! { وما جعلنا عِدَّتهم } في هذه القِلَّة { إلا فتنة } أي : ضلالة { للذين كفروا } حتى قالوا ما قالوا { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } أن ما جاء به محمد حق ، لأن عِدَّتهم في التوراة تسعة عشر { ويزدادَ الذين آمنوا } من أهل الكتاب { إِيماناً } أي : تصديقاً بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ وجدوا ما يخبرهم موافقاً لما في كتابهم { ولا يرتابَ الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } أي : ولا يشك هؤلاء في عَدَدِ الخَزَنَة { وليقولَ الذين في قلوبهم مرض } وفيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنه النفاق ، ذكره الأكثرون . والثاني : أنه الشك ، قاله مقاتل . وزعم أنهم يهود أهل المدينة ، وعنده أن هذه الآية مدنية . والثالث : أنه الخلاف ، قاله الحسين بن الفضل . وقال : لم يكن بمكة نفاق . وهذه مكية . فأما « الكافرون » فهم مشركو العرب { ماذا أراد الله } أي : أي شيء أراد الله { بهذا } الحديث والخبر { مثلاً } والمثل يكون بمعنى الحديث نفسه . ومعنى الكلام : يقولون : ما هذا من الحديث { كذلك } أي : كما أضلَّ من أنكر عَدَد الخَزَنَة ، وهدى من صدَّق { يُضِلُّ الله من يشاء ويهدي من يشاء } وأُنزل في قول أبي جهل : أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } يعني : من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار . وذلك أن لكل واحد من هؤلاء التسعة عشر من الأعوان ما لا يعلمه إلا الله . وذكر الماوردي في وجه الحكمة في كونهم تسعة عشر قولاً محتملاً ، فقال : التسعة عشر : عدد يجمع أكثر القليل ، وأقل الكثير ، لأن الآحاد أقل الأعداد ، وأكثرها تسعة ، وما سوى الآحاد كثير . وأقل الكثير : عشرة ، فوقع الاقتصار على عدد يجمع أقل الكثير ، وأكثر القليل . ثم رجع إلى ذكر النار فقال تعالى : { وما هي إلا ذكرى } أي : ما النار في الدنيا إلا مذكِّرة لنار الآخرة { كلاَّ } أي : حقاً { والقمر . والليل إذْ أدبر } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : « إذا أدبر » وقرأ نافع ، وحمزة ، وحفص ، والفضل عن عاصم ، ويعقوب « إذ » بسكون الذال من غير ألف بعدها « أدبر » بسكون الدال وبهمزة قبلها . وهل معنى القراءتين واحد ، أم لا ؟ فيه قولان . أحدهما : أنهما لغتان بمعنى واحد . يقال : دبر الليل ، وأدبر . ودبر الصيف وأدبر ، هذا قول الفراء ، والأخفش ، وثعلب . والثاني : أن « دبر » بمعنى خلف ، « وأدبر » بمعنى وَّلى . يقال : دبرني فلان : جاء خلفي ، وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيدة وابن قتيبة . قوله تعالى : { إذا أسفر } أي : أضاء وتبيَّن { إنها } يعني : سقر { لإحدى الكُبَر } قال ابن قتيبة : الكُبَر ، جمع كبرى ، مثل الأُوَل ، والأُولى ، والصُّغَر ، والصُّغْرى . وهذا كما يقال : إنها لإحدى العظائم . قال الحسن : والله ما أنذر الله بشيءٍ أوهى منها . وقال ابن السائب ، ومقاتل : أراد بالكُبَر : دركات جهنم السبعة . قوله تعالى : { نذيراً للبشر } قال الزجاج : نصب « نذيراً » على الحال . والمعنى : إِنها لكبيرة في حال الإنذار . وذَكَّر « النذير » ، لأن معناه معنى العذاب . ويجوز أن يكون « نذيراً » منصوباً متعلقاً بأول السورة ، على معنى : قم نذيراً للبشر . قوله تعالى : { لمن شاء منكم } بدل من قوله تعالى : « للبشر » ، { أن يتقدَّم أو يتأخَّر } فيه أربعة أقوال . أحدها : أن يتقدَّم في طاعة الله أو يتأخَّر عن معصيته ، قاله ابن جريج . والثاني : أن يتقدَّم إلى النار ، أو يتأخَّر عن الجنة ، قاله السدي . والثالث : أن يتقدَّم في الخير ، أو يتأخر إلى الشر ، قاله يحيى بن سلام . والرابع : أن يتقدَّم في الإيمان ، أو يتأخَّر عنه . والمعنى : أن الإِنذار قد حصل لكل أحد ممن أقر أو كفر .