Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 38-56)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : كل نفس بالغةٍ مُرتَهنةٌ بعملها لتُحاسَب عليه { إلا أصحاب اليمين } وهم أطفال المسلمين ، فإنه لا حساب عليهم ، لأنه لا ذنوب لهم ، قاله علي ، واختاره الفراء . والثاني : كل نفس من أهل النار مُرتَهنةٌ في النار ، إلا أصحاب اليمين ، وهم المؤمنون ، فإنهم في الجنة ، قاله الضحاك . والثالث : كل نفس مرتهنةٌ بعملها لتحاسب عليه إلا أصحاب اليمين ، فإنهم لا يحاسبون ، قاله ابن جريج . قوله تعالى : { يتساءلون عن المجرمين } قال مقاتل : إذا خرج أهل التوحيد من النار قال المؤمنون لمن بقي في النار : { ما سلككم في سقر ؟ } قال المفسرون : سلككم بمعنى : أدخلكم . وقال مقاتل : ما حبسكم فيها ؟ { قالوا لم نك من المصلين } لله في دار الدنيا { ولم نك نطعم المسكين } أي : لم نتصدَّق لله { وكنا نخوض مع الخائضين } أهل الباطل والتكذيب { وكنا نكذِّب بيوم الدين } أي : بيوم الجزاء والحساب { حتى أتانا اليقين } وهو الموت . يقول الله تعالى : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } وهذا إنما جرى بعد شفاعة الأنبياء والملائكة والشهداء والمؤمنين . وهذا يدل على نفع الشفاعة لمن آمن { فما لهم عن التذكرة معرضين ؟ } يعني : كفار قريش حين نفروا من القرآن والتذكير بمواعظه . والمعنى : لا شيء لهم في الآخرة إِذْ أعرضوا عن القرآن فلم يؤمنوا به ، ثم شبَّههم في نفورهم عنه بالحُمُر ، فقال تعالى : { كأنهم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَة } قرأ أبو جعفر ، ونافع ، وابن عامر ، والمفضل عن عاصم بفتح الفاء . والباقون : بكسرها . قال أبو عبيدة ، وابن قتيبة : من قرأ بفتح الفاء أراد : مذعورة ، استنفرت فنفرت . ومن قرأ بكسر الفاء أراد : نافرة . قال الفراء : أهل الحجاز يقولون : حُمُرٌ مستنفَرة . وناس من العرب يكسرون الفاء . والفتح أكثر في كلام العرب . وقراءتنا بالكسر . أنشدني الكسائي : @ اِحْبِسْ حِمَارَك إنَّه مُسْتَنْفِرُ في إثْرِ أَحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ @@ و « غرّب » موضع . وفي « القسورة » سبعة أقوال . أحدها : أنه الأسد ، رواه يوسف بن مهران ، عن ابن عباس . وبه قال أبو هريرة ، وزيد بن أسلم ، وابنه . قال ابن عباس : الحمر الوحشية إذا عايَنَتْ الأسد هَرَبَتْ منه ، فكذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم هربوا منه ، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة ، والزجاج . قال ابن قتيبة : كأنَّه من القَسْرِ والقَهْرِ ، فالأسد يقهر السباع . والثاني : أن القسورة : الرماة ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال أبو موسى الأشعري ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، وابن كيسان . والثالث : أن القسورة : حِبَال الصيادين ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس . والرابع : أنهم عُصَبُ الرِّجَال ، رواه أبو حمزة عن ابن عباس . واسم أبي حمزة : نصر بن عمران الضبعي . والخامس : أنه رِكْز الناس ، وهذا في رواية عطاء أيضاً عن ابن عباس . ورِكْز الناس : حِسُّهم وأصواتهم . والسادس : أنه الظُّلْمة والليل ، قاله عكرمة . والسابع : أنه النَّبْل ، قاله قتادة . قوله تعالى : { بل يريد كل امرىءٍ منهم أن يُؤتَى صُحُفاً مُنَشَّرةً } فيها ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن سَرَّك أن نَتَّبِعْك ، فليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله تعالى إلى فلان بن فلان يؤمر فيه باتِّباعك ، قاله الجمهور . والثاني : أنهم أرادوا براءةً من النار أن لا يعذَّبوا بها ، قاله أبو صالح . والثالث : أنهم قالوا : كان الرجل إذا أذنب في بَني إسرائيل وجده مكتوباً إذا أصبح في رُقعة . فما بالنا لا نرى ذلك ؟ فنزلت هذه الآية ، قاله الفراء . فقال الله تعالى : { كلا } أي : لا يؤتَون الصُّحُف { بل لا يخافون الآخرة } أي : لا يَخْشَوْن عذابها . والمعنى : أنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات بعد قيام الدلالة { كلاَّ } أي : حقاً . وقيل : معنى { كلا } ليس الأمر كما يريدون ويقولون { إنه تَذْكِرَةٌ } أي : تذكير وموعظة { فمن شاء ذَكره } الهاء عائدة على القرآن فالمعنى : فمن شاء أن يذكر القرآن ويتعظ به ويفهمه ، ذَكره . ثم رد المشيئة إلى نفسه فقال تعالى : { وما يذكرون إلا أن يشاء الله } أي : إلا أن يريد لهم الهدى { هو أهل التقوى } أي : أهل أن يُتَّقى { وأهل المغفرة } أي : أهل أن يَغفِر لمن تاب . روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية ، فقال : قال ربكم عز وجل : أنا أهل أن أُتقى ، فلا يشرك بي غيري . وأنا أهل لمن اتَّقى أن يشرك بي غيري أن أغفر له .