Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-15)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لا أقسم } اتفقوا على أن المعنى « أقسم » واختلفوا في « لا » فجعلها بعضهم زائدة ، كقوله تعالى : { لئلا يعلمَ أهلُ الكتاب } [ الحديد : 29 ] وجعلها بعضهم رداً على منكري البعث . ويدل عليه أنه « أقسم » على كون البعث . قال ابن قتيبة : زيدت « لا » على نية الرد على المكذبين ، كما تقول : لا والله ما ذاك ، ولو حذفت جاز ، ولكنه أبلغ في الرد . وقرأ ابن كثير إلا ابن فليح « لأقسم » بغير ألف بعد اللام ، فجعلت لاما دخلت على « أقسم » ، وهي قراءة ابن عباس ، وأبي عبد الرحمن ، والحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، وابن محيصن ، قال الزجاج : من قرأ « لأقسم » فاللام لام القسم والتوكيد . وهذه القراءة بعيدة في العربية ، لأن لام القسم لا تدخل على الفعل المستقبل إلا مع النون ، تقول : لأَضربنَّ زيداً . ولا يجوز : لأَضْرِبُ زيداً . قوله تعالى : { ولا أُقْسِمُ بالنَّفْس اللَّوامة } قال الحسن : أَقسمَ بالأولى ولم يقسم بالثانية . وقال قتادة : حكمها حكم الأولى . وفي « النفس اللّوامة » ثلاثة أقوال . أحدها : أنها المذمومة ، قاله ابن عباس . فعلى هذا : هي التي تلوم نفسها حين لا ينفعها اللوم . والثاني : أنها النفس المؤمنة ، قاله الحسن . قال : لا يُرى المؤمن إلا يلوم نفسه على كل حال . والثالث : أنها جميع النفوس . قال الفراء : ليس من نفس بَرَّةٍ ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها ، إن كانت عملت خيراً . قال : هلا زِدْت . وإن كانت عملت سوءاً قال : ليتني لم أفعل . قوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه } المراد بالإنسان هاهنا : الكافر . وقال ابن عباس : يريد أبا جهل . وقال مقاتل : عدي بن ربيعة ، وذلك أنه قال : أيجمع الله هذه العظام ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : « نعم » ، فاستهزأَ مِنْه فنزلت هذه الآية . قال ابن الأنباري : وجواب القسم محذوف ، كأنه : لتُبْعَثُنَّ ، لَتُحَاسَبُنَّ ، فدل قوله تعالى : « أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه » على الجواب ، فحذف . قوله تعالى : { بلى } وقف حسن . ثم يُبتدأ « قادرين » على معنى : بلى نجمعها قادرين . ويصلح نصب « قادرين » على التكرير بل فَلْيَحْسَبْنَا قادرين { على أن نُسَوِيَّ بَنَانَهُ } وفيه قولان . أحدهما : أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخُفّ البعير ، وحافر الحمار ، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة ، كالكتابة والخياطة ، هذا قول الجمهور . والثاني : نقدر على أن نسوي بنانه كما كانت ، وإن صغرت عظامها ، ومن قدر على جمع صغار العظام ، كان على جمع كبارها أقدر ، هذا قول ابن قتيبة ، والزجاج . وقد بينا معنى البنان في [ الأنفال : 12 ] . قوله تعالى : { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه } فيه قولان . أحدهما : يكذب بما أمامه من البعث والحساب ، قاله ابن عباس . والثاني : يقدِّم الذنب ويؤخِّر التوبة ، ويقول : سوف أتوب ، قاله سعيد بن جبير . فعلى هذا : يكون المراد بالإنسان : المسلم . وعلى الأول : الكافر . قوله تعالى : { يسأل أيان يوم القيامة } أي : متى هو ؟ تكذيباً به ، وهذا هو الكافر { فإذا برق البصر } قرأ أهل المدينة ، وأبان عن عاصم « بَرَق » بفتح الراء ، والباقون بكسرها . قال الفراء : العرب تقول : بَرِق البصر يبرَق ، وبَرَق يبرُق ، إذا رأى هولاً يفزع منه ، و « بَرِق » أكثر وأجود قال الشاعر : @ فَنَفْسَكَ فَانْعَ ولا تَنْعَني ودَاوِ الكُلُومَ ولاَ تَبْرَقِ @@ بالفتح . يقول : لا تفزع من هول الجراح التي بك . قال المفسرون : يشخص بصر الكافر يوم القيامة ، فلا يَطْرِفُ لما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا ، وقال مجاهد : برق البصر عند الموت . قوله تعالى : { وخسف القمر } قال أبو عبيدة : كَسَف وخَسَف بمعنى واحد ، أي : ذهب ضوؤه . قوله تعالى : { وجُمِع الشَّمسُ والقمر } إنما قال « جمع » لتذكير القمر ، هذا قول أبي عبيدة . وقال الفراء : إنما لم يقل : جُمِعَتْ ، لأن المعنى : جمع بينهما . وفي معنى الآية قولان . أحدهما : جمع بين ذاتَيْهما . وقال ابن مسعود : جمعا كالبعيرين القرينين . وقال عطاء بن يسار : يُجْمَعَان ثم يُقْذَفَان في البحر . وقيل : يُقْذَفَان في النار . وقيل : يجمعان ، فيطلعان من المغرب . والثاني : جمع بينهما في ذهاب نورهما ، قاله الفراء ، والزجاج . قوله تعالى : { يقول الإنسان } يعني : المكذِّب بيوم القيامة { أين المفر } قرأ الجمهور بفتح الميم ، والفاء ، وقرأ ابن عباس ، ومعاوية ، وأبو رزين ، وأبو عبد الرحمن ، والحسن ، وعكرمة ، والضحاك ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة : بكسر الفاء قال الزجاج : فمن فتح ، فالمعنى : أين الفرار ؟ ومن كسر ، فالمعنى : أين مكان الفرار ؟ تقول : جلست مجلَساً بالفتح ، يعني : جلوساً . فإذا قلت : مجلِساً بالكسر ، فأنت تريد المكان . قوله تعالى : { كلا لا وزر } قال ابن قتيبة : لا ملجأ . وأصل الوزر : الجبل . الذي يمتنع فيه { إِلى ربك يومئذ المستقر } أي : المنتهى والمرجع . { يُنَبَّأ الإنسان يومئذ بما قَدَّم وأَخَّر } فيه ستة أقوال . أحدها : بما قدَّم قبل موته ، وما سنَّ من شيء فعُمِل به بعد موته ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس . والثاني : يُنَبَّأُ بأوَّل عمله وآخره ، قاله مجاهد . والثالث : بما قدَّم من الشَّرِّ وأخَّر من الخير ، قاله عكرمة . والرابع : بما قدَّم من فرض ، وأخَّر من فرض ، قاله الضحاك . والخامس : بما قدَّم من معصية ، وأخَّر من طاعة . والسادس : بما قدَّم من أمواله ، وما خلَّف للورثة ، قاله زيد بن أسلم . قوله تعالى : { بل الإنسان على نفسه بصيرة } قال الفراء : المعنى : بل على الإنسان من نفسه بصيرة ، أي : رقباء يشهدون عليه بعمله ، وهي : الجوارح . قال ابن قتيبة : فلما كانت جوارحه منه ، أقامها مقامه . وقال أبو عبيدة : جاءت الهاء في « بصيرة » في صفة الذكر ، كما جاءت في رجل « راوية » ، و « طاغية » ، وعلاَّمة . قوله تعالى : { ولو ألقى معاذيره } في المعاذير قولان . أحدهما : أنه جمع عذر ، فالمعنى : لو اعتذر ، وجادل عن نفسه ، فعليه من يكذَّب عذره ، وهي : الجوارح ، وهذا قول الأكثرين . والثاني : أن المعاذير جمع معذار ، وهو : الستر . والمعاذير : الستور . فالمعنى : ولو أرخى ستوره ، هذا قول الضحاك ، والسدي ، والزجاج ، فيخرج في معنى « ألقى » قولان . أحدهما : قال ، ومنه { فألْقَوا إليهم القول } [ النحل : 36 ] ، وهذا على القول الأول : والثاني : أرخى ، وهذا على القول الثاني .