Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 15-29)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فلا أقسم } لا زائدة ، والمعنى : أقسم { بالخُنَّس } وفيها خمسة أقوال . أحدها : أنها خمسة أنجم تَخْنُس بالنهار فلا تُرى ، وهي زُحَل ، وعُطَارد ، والمشتري ، والمرِّيخ ، والزُّهرة ، قاله علي ، وبه قال مقاتل ، وابن قتيبة . وقيل : اسم المشتري : البرجس . واسم المريخ : بهرام . والثاني : أنها النجوم ، قاله الحسن وقتادة على الإطلاق ، وبه قال أبو عبيدة . والثالث : أنها بقر الوحش ، قاله ابن مسعود . والرابع : الظباء ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير . والخامس : الملائكة ، حكاه الماوردي . والأكثرون على أنها النجوم . قال ابن قتيبة : وإنما سماها خُنَّساً ، لأنها تسير في البروج والمنازل ، كسير الشمس والقمر ، ثم تَخْنُس ، أي : ترجع ، بينا يرى أحدها في آخر البروج كَرَّ راجعاً إلى أوله ، وسماها كُنَّساً ، لأنها تكنس ، أي : تسير كما تكنس الظباء ، وقال الزجاج : تخنس ، أي : تغيب ، وكذلك تكنس ، أي : تغيب في المواضع التي تغيب فيها . وإذا كان المراد الظباء فهو يدخل الكناس ، وهو الغصن من أغصان الشجر . ووقف يعقوب على « الجواري » بالياء . قوله تعالى : { والليل إذا عسعس } فيه قولان . أحدهما : ولَّى ، قاله ابن عباس ، وابن زيد ، والفراء . والثاني : أقبل ، قاله ابن جبير ، وقتادة . قال الزجاج : يقال : عسعس الليل : إذا أقبل . وعسعس : إذا أدبر . واستدل من قال : إن المراد : إدباره بقوله تعالى { والصبح إذا تَنَفَّس } وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن قرط : @ حتى إذا الصُّبْحُ لها تَنَفَّسا وإنجاب عنها لَيْلُها وعَسْعَسَا @@ وفي قوله تعالى { تَنَفَّس } قولان . أحدهما : أنه طلوع الفجر ، قاله علي وقتادة . والثاني : طلوع الشمس ، قاله الضحاك . قال الزجاج : معناه : إذا امتد حتى يصير نهاراً بَيِّناً . وجواب القسم في قوله : { فلا أقسم بالخُنَّس } وما بعده قولُه { إنه لقول رسول كريم } يعني : أن القرآن نزل به جبريل . وقد بيَّنَّا هذا في [ الحاقة : 40 ] . ثم وصف جبريل بقوله تعالى : { ذي قوة } وهو كقوله تعالى : { ذو مرة } وقد شرحناه في [ النجم آية : 6 ] { ذي قوة عند ذي العرش مكين } يعني : في المنزلة { مُطَاع ثَمَّ أمين } أي : في السموات تطيعه الملائكة . فَمِنْ طَاعَةِ الملائكة له : أنه أَمَرَ خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتحها لمحمد صلى الله عليه وسلم فدخلها ورأى ما فيها ، وأمر خازن جهنم ففتَح له عنها حتى نظر إليها . وقرأ أُبَيُّ بن كعب ، وابن مسعود ، وأبو حيوة ، « ثُمَّ » بضم الثاء . ومعنى « أَمين » على وحي الله ورسالاته . قال أبو صالح : أمين على أن يدخل سبعين سرادقاً من نور بغير إذن . قوله تعالى : { وما صاحبكم بمجنون } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، والخطاب لأهل مكة . قال الزجاج : وهذا أيضاً من جواب القسم ، وذلك أنه أقسم أن القرآن نزل به جبريل ، وأن محمداً ليس بمجنون كما يقول أهل مكة . قوله تعالى : { ولقد رآه بالأفق المبين } قال المفسرون : رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته بالأفق ، وقد ذكرنا هذا في سورة [ النجم : 7 ] . قوله تعالى : { وما هو } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم { على الغيب } أي : على خبر السماء الغائب عن أهل الأرض { بضنين } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي ، ورويس ، « بظنين » بالظاء ، وقرأ الباقون بالضاد . قال ابن قتيبة : من قرأ بالظاء ، فالمعنى : ما هو بمُتَّهم على ما يخبر به عن الله ، ومن قرأ بالضاد ، فالمعنى : ليس ببخيل عليكم بعلم ما غابَ عنكم مما ينفعكم . وقال غيره : ما يكتمه كما يكتم الكاهن ليأخذ الأجر عليه . قوله تعالى : { وما هو } يعني : القرآن { بقول شيطان رجيم } قال مقاتل : وذلك أن كفار مكة قالوا : إنما يجيء به الشيطان ، فيلقيه على لسان محمد . قوله تعالى : { فأين تذهبون } قال الزجاج : معناه : فأيَّ طريق تسلكون أَبْيَنَ من هذه الطريقة التي قد بَيَّنَتُ لكم ؟ { إن هو } أي : ما هو ، يعني : القرآن { إلا ذكر للعالمين } أي : موعظة للخلق أجمعين { لمن شاء منكم أن يستقيم } على الحق والإيمان . والمعنى : أن القرآن إنما يتعظ به من استقام على الحق . وقد بيَّنَّا سبيل الإستقامة ، فمن شاء أخذ في تلك السبيل . ثم أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه بما بعد هذا ، وقد بَيَّنَّا هذا في سورة [ الإنسان : 30 ] قال أبو هريرة : لما نزلت { لمن شاء منكم أن يستقيم } قالوا : الأمر إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فنزل قوله تعالى : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } وقيل : القائل لذلك أبو جهل . وقرأ أبو بكر الصديق ، وأبو المتوكل ، وأبو عمران : « وما يشاؤون » بالياء . فصل وقد زعم بعض ناقلي التفسير أن قوله تعالى { لمن شاء منكم أن يستقيم } وقوله تعالى في [ عبس : 12 ] { فمن شاء ذكره } وقوله تعالى في سورة [ الإنسان : 29 ] وفي سورة [ المزمل : 18 ] { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } كله منسوخ بقوله تعالى { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } ولا أرى هذا القول صحيحاً ، لأنه لو جاز وقوع مشيئتهم مع عدم مشيئته توجَّه النسخ . فأما إذ أخبر أن مشيئتهم لا تقع إلا بعد مشيئته ، فليس للنسخ وجه .