Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 1-1)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فصل في نزولها هي مدنية باجماعهم ، سوى الآيتين في آخرها : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] فانها نزلت بمكة . روى البخاري في « صحيحه » من حديث البراء قال : آخر سورة نزلت ( براءة ) . وقد نُقل عن بعض العرب أنه سمع قارئاً يقرأ هذه السورة ، فقال الأعرابي : إني لأحسب هذه من آخر ما نزل من القرآن . قيل له : ومن أين علمت ؟ فقال : إني لأسمع عهوداً تُنْبَذُ ووصايا تُنَفَّذ . فصل واختلفوا في أول ما نزل من ( براءة ) على ثلاثة أقوال . أحدها : أن أول ما نزل منها قوله { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } [ التوبة : 25 ] قاله مجاهد . والثاني : { انفروا خفافاً وثقالاً } [ التوبة : 41 ] قاله أبو الضحى ، وأبو مالك . والثالث : { إلاَّ تنصروه } [ التوبة : 40 ] قاله مقاتل . وهذا الخلاف إنما هو في أول ما نزل منها بالمدينة ، فانهم قد قالوا : نزلت الآيتان اللتان في آخرها بمكة . فصل ولها تسعة أسماء . أحدها : سورة التوبة . والثاني : براءة ؛ وهذان مشهوران بين الناس . والثالث : سورة العذاب ، قاله حذيفة . والرابع : المُقَشْقِشَة ، قاله ابن عمر . والخامس : سورة البَحوث ، لأنها بحثت عن سرائر المنافقين ، قاله المقداد بن الأسود . والسادس : الفاضحة ، لأنها فضحت المنافقين ، قاله ابن عباس . والسابع : المبعثِرة ، لأنها بعثرت أخبار الناس ، وكشفت عن سرائرهم ، قاله الحارث بن يزيد ، وابن إسحاق . والثامن : المثيرة ، لأنها أثارت مخازي المنافقين ومثالبهم ، قاله قتادة . والتاسع : الحافرة ، لأنها حفرت عن قلوب المنافقين ، قاله الزجاج . فصل وفي سبب امتناعهم من كتابة التسمية في أولها ثلاثة أقوال . أحدها : رواه ابن عباس قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم على أن عمدتم إلى ( الأنفال ) وهي من المثاني ، وإلى ( براءة ) وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما « بسم الله الرحمن الرحيم » ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه الشيء يدعو بعضَ مَن يكتب ، فيقول : " ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " ، وكانت ( الأنفال ) من أوائل ما نزل بالمدينة ، و ( براءة ) من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وقُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُبيِّن لنا أنها منها ، فظننا أنها منها ، فمن ثَمَّ قرنتُ بينهما ولم أكتب بينهما : « بسم الله الرحمن الرحيم » . وذُكر نحو هذا المعنى عن أُبَيِّ بن كعب . قال الزجاج : والشبه الذي بينهما : أن في ( الأنفال ) ذكر العهود ، وفي ( براءة ) نقضها . وكان قتادة يقول : هما سورة واحدة . والثاني : رواه محمد بن الحنفية ، قال : قلت لأبي : لِمَ لم تكتبوا في ( براءة ) « بسم الله الرحمن الرحيم » ؟ فقال : يا بنيَّ ، إن ( براءة ) نزلت بالسيف وإن « بسم الله الرحمن الرحيم » أمانٌ . وسئل سفيان بن عيينة عن هذا ، فقال : لأن التسمية رحمة ، والرحمة أمان ، وهذه السورة نزلت في المنافقين . والثالث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كتب في صلح الحديبية « بسم الله الرحمن الرحيم » لم يقبلوها وردُّوها ، فما ردها الله عليهم ، قاله عبد العزيز بن يحيى المكي . فصل فأما سبب نزولها ، فقال المفسرون : أخذت العرب تنقض عهوداً بَنَتْها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمره الله تعالى بالقاء عهودهم إليهم ، فأنزل ( براءة ) في سنة تسع ، " فبعث رسول الله أبا بكر أميراً على الموسم ليقيم للناس الحج في تلك السنة ، وبعث معه صدراً من ( براءة ) ليقرأها على أهل الموسم ، فلما سار ، دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علياً فقال : « اخرج بهذه القصة من صدر ( براءة ) وأذِّن في الناس بذلك » فخرج عليٌّ على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر ، فرجع أبو بكر فقال : يا رسول الله ، أُنزِل في شأني شيء ؟ قال : « لا ، ولكن لا يبلغ عني إلا رجل مني ، أما ترضى أنك كنتَ صاحبي في الغار ، وأنك صاحبى على الحوض ؟ » قال : بلى يا رسول الله ، فسار أبو بكر أميراً على الحج ، وسار علي ليؤذِّن بـ ( براءة ) " . فصل وفي عدد الآيات التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول ( براءة ) خمسة أقوال . أحدها : أربعون آية ، قاله عليٌّ عليه السلام . والثاني : ثلاثون آية ، قاله أبو هريرة . والثالث : عشر آيات ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والرابع : سبع آيات ، رواه ابن جريج عن عطاء . والخامس : تسع آيات ، قاله مقاتل . فصل فان توهَّم مُتَوهِّمٌ أن في أخذ ( براءة ) من أبي بكر ، وتسليمها إلى عليٍّ ، تفضيلاً لعليٍّ على أبي بكر ، فقد جهل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجرى العرب في ذلك على عادتهم . قال الزجاج : وقد جرت عادة العرب في عقد عهدها ونقضها ، أن يتولىَّ ذلك على القبيلة رجل منها ، وجائز أن تقول العرب إذا تلا عليها نقضَ العهد مَن ليس من رهط النبي صلى الله عليه وسلم : هذا خلاف ما نعرف فينا في نقض العهود ، فأزاح النبي صلى الله عليه وسلم العلَّة بما فعل . وقال عمرو ابن بحر : ليس هذا بتفضيل لعليٍّ على أبي بكر ، وإنما عاملهم بعادتهم المتعارفة في حَلِّ العقد ، وكان لا يتولىَّ ذلك إلا السَّيِّدُ منهم ، أو رجل من رهطه دَنِيّاً ، كأخ ، أو عم ؛ وقد كان أبو بكر في تلك الحَجة الإمام ، وعليٌّ يأتمُّ به ، وأبو بكر الخطيب ، وعليٌّ يسمع . وقال أبو هريرة : بعثني أبو بكر في تلك الحجة مع المؤذِّنين الذين بعثهم يؤذِّنون بمنى : أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، فأذَّن معنا علي بـ ( براءة ) وبذلك الكلام . وقال الشعبي : بعث رسولُ الله علياً يؤذن بأربع كلمات : { ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ألا ولا يطوف بالبيت عريان ، ألا ولا يدخل الجنة إلا مسلم ، ألا ومن كانت بينه وبين محمد مدَّة فأجله إلى مدته ، والله بريء من المشركين ورسوله } . فصل فأما التفسير ، فقوله تعالى : ( براءة ) قال الفراء : هي مرفوعة باضمار « هذه » ، ومثلُهُ : { سورة أنزلناها } [ النور : 2 ] . وقال الزجاج : يقال بَرِئْتُ من الرجل والدَّيْن براءةً ، وبرئتُ من المرض ، وبرأتُ أيضاً أبرأُ بُرءاً ، وقد رووا : برأْتُ ، أبرُؤ بروءاً . ولم نجد في مالامه همزة : فَعَلْتُ أفعل ، إلا هذا الحرف . ويقال : بريت القلم ، وكل شيء نحتَّه : أبريه بَرْياً ، غير مهموز . وقرأ أبو رجاء ، ومورق ، وابن يعمر : ( براءةً ) بالنصب . قال المفسرون : والبراءة هاهنا : قطع الموالاة ، وارتفاع العصمة . وزوال الأمان . والخطاب في قوله : { إلى الذين عاهدتم } لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمرادُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو الذي كان يتولَّى المعاهدة ، وأصحابُه راضون ؛ فكأنهم بالرضا عاهدوا أيضاً ؛ وهذا عام في كل من عاهد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم . وقال مقاتل : هم ثلاثة أحياء من العرب : خزاعة ، وبنو مدلج ، وبنو جذَيمة .