Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 36-36)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله } قال المفسرون : نزلت هذه الآية من أجل النسيء الذي كانت العرب تفعله ، فربما وقع حجهم في رمضان ، وربما وقع في شوال ، إلى غير ذلك ؛ وكانوا يستحلُّون المحرَّم عاماً ، ويحرِّمون مكانه صفر ، وتارة يحرِّمون المحرَّم ويستحلُّون صفر . قال الزجاج : أعلم الله عز وجل أن عدد شهور المسلمين التي تُعُبِّدوا بأن يجعلوه لسنتهم : اثنا عشر شهراً على منازل القمر ؛ فجعل حجهم وأعيادهم على هذا العدد ، فتارة يكون الحج والصوم في الشتاء ، وتارة في الصيف ، بخلاف ما يعتمده أهل الكتاب ، فانهم يعملون على أن السنة ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوماً وبعض يوم . وجمهور القراء على فتح عين { اثنا عشر } . وقرأ أبو جعفر : اثنا عشر ، وأحد عْشر ، وتسعة عْشر ، بسكون العين فيهن . قوله تعالى : { في كتاب الله } أي : في اللوح المحفوظ . قال ابن عباس : في الإمام الذي عند الله ، كتبه : { يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم } وفيها قولان . أحدهما : أنها رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، قاله الأكثرون . وقال القاضي أبو يعلى : إنما سماها حُرُماً : لمعنيين . أحدهما : تحريم القتال فيها ، وقد كان أهل الجاهلية يعتقدون ذلك أيضاً . والثاني : لتعظيم انتهاك المحارم فيها أشدَّ من تعظيمه في غيرها ، وكذلك تعظيم الطاعات فيها . والثاني : انها الأشهُر التي أُجِّل المشركون فيها للسياحة ، ذكره ابن قتيبة . قوله تعالى : { ذلك الدِّين القيِّم } فيه قولان . أحدهما : ذلك القضاء المستقيم ، قاله ابن عباس . والثاني : ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوي ، قاله ابن قتيبة . قوله تعالى : { فلا تظلموا فيهن أنفسَكم } اختلفوا في كناية « فيهنَّ » على قولين : أحدهما : أنها تعود على الاثني عشر شهراً ، قاله ابن عباس . فعلى هذا يكون المعنى : لا تجعلوا حرامها حلالاً ، ولا حلالها حراماً ، كفعل أهل النسيء . والثاني : أنها ترجع إلى الأربعة الحرم ، وهو قول قتادة ، والفراء ؛ واحتج بأن العرب تقول لما بين الثلاثة إلى العشرة : لثلاث ليال خَلَوْنَ ، وأيام خلون ، فاذا جُزتَ العشَرة قالوا خلتْ ومضتْ ، ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة : هُنَّ ، وهؤلاء ، فاذا جزتَ العشرة ، قالوا : هي ، وهذه ؛ إرادةَ أن تُعرف سمة القليل من الكثير . وقال ابن الأنباري : العرب تعيد الهاء والنون على القليل من العدد ، والهاء والألف على الكثير منه ؛ والقلَّة : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، والكثرة : ما جاوز العشرة . يقولون : وجهتُ إليك أكبُشاً فاذبحْهُنَّ ، وكباشاً فاذبحها فلهذا قال : { منها أربعة حرم } وقال : { فلا تظلموا فيهن } لأنه يعني : بقوله : { فيهن } الأربعة . ومن قال من المفسرين : إنه يعني بقوله : { فيهن } الاثني عشر ، فانه ممكن ؛ لأن العرب ربما جعلت علامة القليل للكثير ، وعلامة الكثير للقليل ، وعلى قول من قال : ترجع { فيهن } إلى الأربعة ، يُخرَّج في معنى الظلم فيهن أربعة أقوال . أحدها : أنه المعاصي ، فتكون فائدة تخصيص النهي عنه بهذه الأشهر ، أن شأن المعاصي يعظُم فيها أشدَّ من تعظيمه في غيرها ، وذلك لفضلها على ما سواها ، كقوله : { وجبريل وميكال } [ البقرة : 98 ] وإن كانا قد دخلا في جملة الملائكة ، وقوله : { فاكهة ونخل ورمَّان } [ الرحمن : 68 ] وإن كانا قد دخلا في جملة الفاكهة ، وقوله : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } [ البقرة : 197 ] وإن كان منهياً عنه في غير الحج ، وكما أُمر بالمحافظة على الصلاة الوسطى وإن كان مأموراً بالمحافظة على غيرها ، هذا قول الأكثرين . والثاني : أن المراد بالظلم فيهنَّ فعل النسيء : وهو تحليل شهر محرَّم ، وتحريم شهر حلال ، قاله ابن اسحاق . والثالث : أنه البداية بالقتال فيهن ، فيكون المعنى : فلا تظلموا أنفسكم بالقتال فيهن إلا أن تُبدَؤوا بالقتال ، قاله مقاتل . والرابع : أنه ترك القتال فيهن ، فيكون المعنى : فلا تظلموا فيهن أنفسكم بترك المحاربة لعدوِّكم ، قاله ابن بحر ، وهو عكس قول مقاتل . والسرُّ في أن الله تعالى عظَّم بعض الشهور على بعض ، ليكون الكفُّ عن الهوى فيها ذريعة إلى استدامة الكف في غيرها تدريجاً للنفس إلى فراق مألوفها المكروه شرعاً .