Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 37-37)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إنما النسيء زيادة في الكفر } الجمهور على همز النسيء ومَدِّه وكسر سينه . وروى شبل عن ابن كثير : « النِّسْءُ » على وزن النِسْع . وفي رواية أخرى عن شبل : « النَّسِيُّ » مشددة الياء من غير همز ، وهي قراءة أبي جعفر ؛ والمراد بالكلمة : التأخير . قال اللغويون : النسيء : تأخير الشيء . وكانت العرب تحرِّم الأشهر الأربعة ، وكان هذا مما تمسَّكت به من ملة إبراهيم ، فربما احتاجوا إلى تحليل المحرَّم للحرب تكون بينهم ، فيؤخِّرون تحريم المحرَّم إلى صفر ، ثم يحتاجون إلى تأخير صفر أيضاً إلى الشهر الذي بعده ، ثم تتدافع الشهور شهراً بعد شهر حتى يستدير التحريم على السنَّة كلِّها ، فكأنهم يستنسؤون الشهر الحرام ويستقرضونه ، فأعلم الله عز وجل أن ذلك زيادة في كفرهم ، لأنهم أحلُّوا الحرام ، وحرموا الحلال ، { ليواطؤوا } : أي : ليوافقوا { عدة ما حرَّم الله } فلا يخرجون من تحريم أربعة ، ويقولون : هذه بمنزلة الأربعة الحرم ، ولا يبالون بتحليل الحرام ، وتحريم الحلال . وكان القوم لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم ، قال الفراء : كانت العرب في الجاهلية إذا أرادوا الصَّدَرَ عن مِنًى ، قام رجل من بني كنانة يقال له : نُعيم بن ثعلبة ، وكان رئيس الموسم ، فيقول : أنا الذي لا أُعابُ ولا أُجابُ ولا يُرَدُّ لي قضاء ، فيقولون : أنسئنا شهراً ، يريدون : أخِّر عنا حرمة المحرم ، واجعلها في صفر ، فيفعل ذلك . وإنما دعاهم إلى ذلك توالي ثلاثة أشهر حُرُم لا يُغِيرون فيها ، وإنما كان معاشهم من الإغارة فتستدير الشهور كما بيَّنَّا . وقيل : إنما كانوا يستحلُّون المحرَّم عاماً ، فاذا كان من قابل ردُّوه إلى تحريمه . قال أبو عبيد : والتفسير الأول أحب إليَّ ، لأن هذا القول ليس فيه استدارة . وقال مجاهد : كان أولَ من أظهر النسيء جنادةُ بن عوف الكناني ، فوافقت حجَةُ أبي بكر ذا القعدة ، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام القابل في ذي الحجة ، فذلك حين قال : " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " وقال الكلبي : أول من فعل ذلك نُعيم بن ثعلبة . قوله تعالى : { يُضَل به الذين كفروا } وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : « يَضِل » بفتح الياء وكسر الضاد ، والمعنى : أنهم يكتسبون الضلال به . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : « يُضَلُّ » بضم الياء وفتح الضاد ، على مالم يُسم فاعله . وقرأ الحسن البصري ، ويعقوب إلا الوليد : « يُضِل » بضم الياء وكسر الضاد ، وفيه ثلاثة أوجه . أحدها : يُضِلُّ الله به . والثاني : يُضِلّ الشيطان به ، ذكرهما ابن القاسم . والثالث : يُضِلّ به الذين كفروا الناس ، لأنهم الذين سنُّوه لهم . قال أبو علي : التقدير : يُضل به الذين كفروا تابعيهم . وقال ابن القاسم : الهاء في « به » راجعة إلى النسيء ، وأصل النسيء : المنسوء ، أي : المؤخَّر ، فينصرف عن « مفعول » إلى « فعيل » كما قيل : مطبوخ وطبيخ ، ومقدور وقدير ، قال : وقيل : الهاء راجعة إلى الظلم ، لأن النسيء كَشَفَ تأويل الظلم ، فجرى مجرى المظهَر ، والأول اختيارنا .