Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 6-19)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كلا } أي : حقاً . وقال مقاتل : { كَلاَّ } لا يعلم أن الله علمه . ثم استأنف فقال تعالى : { إن الإنسان ليطغى } يعني : أبا جهل . وكان إذا أصاب مالاً أَشر وبَطِرَ في ثيابه ، ومراكبه ، وطعامه { أن رآه استغنى } قال ابن قتيبة : أي : أن رأى نفسه استغنى . و « الرُّجْعى » المرجع . قوله تعالى : « أرأيت الذي ينهى » معنى : أرأيت : تعجيبه المخاطب ، وإنما كررها للتأكيد والتعجيب . والمراد بالناهي هاهنا : أبو جهل . قال أبو هريرة : قال أبو جهل هل يعفِّر محمَّدٌ وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : فبالذي يحلف به لئن رأيتُه لأَطَأَنَّ على رقبته . فقيل له : هاهو ذاك يصلي . فانطلق لِيَطَأَ على رقبته ، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ، ويتَّقي بيديه ، فأتَوْه فقالوا : مالك يا أبا الحكم ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقاً من نار ، وهولاً وأَجْنِحَةً . وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً " ، فأنزل الله تعالى { أرأيت الذي ينهى } إلى آخر السورة . وقال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، فجاء أبو جهل فقال : ألم أنهك عن هذا ؟ ! فانصرف إليه النبي صلى الله عليه وسلم فَزَبَرَه ، فقال أبو جهل : والله إنك لتعلم ما بها نادٍ أكثر مني ، فأنزل الله تعالى : { فليدع ناديه سندع الزبانية } قال ابن عباس : والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله . قال المفسرون : والمراد بالعبد هاهنا : محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : كانت الصلاة صلاة الظهر . قوله تعالى : { أرأيت إن كان على الهدى } يعني المنهي وهو النبي صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { أرأيتَ إن كذَّب وتولَّى } يعني : الناهي ، وهو أبو جهل ، قال الفراء : والمعنى : أرأيتَ الذي ينهى عبداً إذا صلى ، وهو كاذب مُتَوَلٍّ عن الذِّكْر ، فأي شيء أعجب من هذا ؟ ! وقال ابن الأنباري : تقديره : أرأيته مصيباً . قوله تعالى : { ألم يعلم } يعني أبا جهل { بأنَّ الله يرى } ذلك فيجازيه { كلا } أي : لا يعلم ذلك { لئن لم ينته } عن تكذيب محمد وشتمه وإيذائه { لنسفعاً بالناصية } السفع : الأخذ ، والناصية : مُقَدَّم الرأس . قال أبو عبيدة : يقال : سفعتُ بيده ، أي أخذتُ بها . وقال الزجاج : يقال سفعتُ الشيءَ : إذا قبضتَ عليه وجذبته جذباً شديداً . والمعنى : لَنَجُرَّنَّ ناصيته إلى النار . قوله تعالى : { ناصيةٍ } قال أبو عبيدة : هي بدل ، فلذلك جَرَّها . قال الزجاج : والمعنى : بناصية صاحبُها كاذبٌ خاطىءٌ ، كما يقال : نهارُه صائم ، وليله قائم ، أي : هو صائم في نهاره ، قائم في ليله { فليَدْعُ ناديه } أي : أهل ناديه ، وهم أهل مجلسه فليستنصرهم { سَنَدْعُ الزَّبانية } قال عطاء : هم الملائكة الغِلاظ الشِّداد . وقال مقاتل : هم خَزَنَةُ جهنم . وقال قتادة : الزَّبانية في كلام العرب : الشُّرَط . قال الفراء : كان الكسائي يقول : لم أسمع للزَّبانية بواحد ، ثم قال بأَخَرة : واحد الزبانية : زِبْنِيٌّ ، فلا أدري أقياساً منه أو سماعاً . وقال أبو عبيدة : واحد الزبانية : زِبْنِيَة وهو كل متمرِّد من إنس ، أو جان . يقال : فلان زِبْنِيَة عِفْرِيَة . قال ابن قتيبة : وهو مَأْخوذٌ من الزَّبْن ، وهو الدَّفْع ، كأنهم يدفعون أهل النار إليها . قال ابن دريد : الزَّبْن الدفع . يقال : ناقة زبون : إذا زَبَنَتْ حالبها ، ودفعته برجلها . وتَزَابَنَ القوم : تدارؤوا . واشتقاق الزبانية من الزَّبْن . والله أعلم . قوله تعالى : { كلا } أي : ليس الأمر على ما عليه أبو جهل { لا تُطعْهُ } في ترك الصلاة { واسجد } أي : صَلِّ لله { واقترب } إليه بالطاعة ، وهذا قول الجمهور أن قوله تعالى { واقترب } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . وقد قيل : إنه خطاب لأبي جهل . ثم فيه قولان . أحدهما : أن المعنى : اسجد أنت يا محمد ، واقترب أنت يا أبا جهل من النَّار ، قاله زيد بن أسلم . والثاني : واقترب يا أبا جهل تَهَدَّدَاً له ، رواه أبو سليمان الدمشقي عن بعض القُدَماء . وهذا يشرحه حديث أبي هريرة الذي قدَّمناه . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " .