Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 23-24)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُم يَبْغُونَ فِى ٱلأَرْضِ } يفسدون فيها { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } باطلاً أي مبطلين { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } أي ظلمكم يرجع إليكم كقوله { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } حفص أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا { وعلى أنفسكم } خبر لـ { بغيكم } . غيره بالرفع على أنه خبر { بغيكم } و { على أنفسكم } صلته كقوله { فبغى عليهم } ) القصص : 76 ) ومعناه إنما بغيكم على أمثالكم ، أو هو خبر و { متاع } خبر بعد خبر أو { متاع } خبر مبتدأ مضمر أي هو متاع الحياة الدنيا ، وفي الحديث " أسرع الخير ثواباً صلة الرحم ، وأعجل الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة " ورُوي " ثنتان يعجلهما الله في الدنيا البغي وعقوق الوالدين " وعن ابن عباس رضي الله عنهما : لو بغى جبل على جبل لدك الباغي وعن محمد بن كعب : ثلاث من كن فيه كن عليه : البغي والنكث والمكر . قال الله تعالى : { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ وَمِنْ نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [ الفتح : 10 ] { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فنخبركم به ونجازيكم عليه { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاء } من السحاب { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } بالماء { نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } أي فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ } يعني الحبوبِ والثمار والبقول { وَٱلأَنْعَـٰمُ } يعني الحشيش { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } زينتها بالنبات واختلاف ألوانه { وَٱزَّيَّنَتْ } وتزينت به وهو أصله وأدغمت التاء في الزاي وهو كلام فصيح ، جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين { وَظَنَّ أَهْلُهَا } أهل الأرض { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها رافعون لغلتها { أَتَاهَا أَمْرُنَا } عذابنا وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا } فجعلناها زرعاً { حَصِيداً } شبيهاً بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله { كَأَن لَّمْ تَغْنَ } كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث ، حذف المضاف في هذه المواضع لا بد منه ليستقيم المعنى { بِٱلأَمْسِ } هو مقل في الوقت القريب كأنه قيل { كأن لم تغن } آنفاً { كَذٰلِكَ نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فينتفعون بضرب الأمثال ، وهذا من التشبيه المركب شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال ، بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعدما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه . وحكمة التشبيه ، التنبيه على أن الحياة صفوها شبيبتها وكدرها شيبتها كما أن صفو الماء في أعلى الإناء قال @ ألم تر أن العمر كأس سلافة فأوله صفو وآخره كدْر @@ وحقيقته تزيين جثة الطين بمصالح الدنيا والدين كاختلاط النبات على اختلاف التلوين ، فالطينة الطيبة تنبت بساتين الأنس ، ورياحين الروح ، وزهرة الزهد ، وكروم الكرم ، وحبوب الحب ، وحدائق الحقيقة ، وشقائق الطريقة ، والخبيثة تخرج خلاف الخلف ، وثمام الاسم ، وشوك الشرك ، وشيح الشح ، وحطب العطب ، ولعاع اللعب ، ثم يدعوه معاده كما يحين للحرث حصاده فتزايله الحياة مغتراً كما يهيج النبات مصفراً فتغيب جثة في الرمس كأن لم تغن بالأمس إلى أن يعود ربيع البعث وموعد العرض والبحث ، وكذلك حال الدنيا كالماء ينفع قليله ويهلك كثيره ، ولا بد من ترك ما زاد كما لا بد من أخذ الزاد ، وآخذ المال لايخلو من زلة ، كما أن خائض الماء لا ينجو من بلة ، وجمعه وإمساكه تلف صاحبه ، وإهلاكه فما دون النصاب كضحضاح ماء يجاوز بلا احتماء ، والنصاب كنهر حائل بين المجتاز . والجواز إلى المفاز لا يمكن إلا بقنطرة وهي الزكاة ، وعمارتها بذل الصلات ، فمتى اختلت القنطرة غرّقته أمواج القناطير المقنطرة ، وعن هذا قال عليه السلام : " الزكاة قنطرة الإسلام " وكذا المال يساعد الأوغاد دون الأمجاد كما أن الماء يجتمع في الوهاد دون النجاد ، وكذلك الماء لا يجتمع إلا بكد البخيل كما أن الماء لا يجتمع إلا بسد المسيل ، ثم يفنى ويتلف ولا يبقى كالماء في الكف .