Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 45-48)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبّ } نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله { رب } مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله { إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى } أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيباً له فهو بعض أهله { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } وإن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به ، وقد وعدتني أن تنجي أهلي فما بال ولدي { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } أي أعلم الحكام وأعدلهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل . ورب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمانك قد لقب أقضى القضاة ، ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر { قَالَ يَـا نُوحٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } ثم علل لانتفاء كونه من أهله بقوله { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وأن نسيبك في دينك وإن كان حبشياً وكنت قرشياً لصيقك ، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحماً فهو أبعد بعيد منك ، وجعلت ذاته عملاً غير صالح مبالغة في ذمه كقولها : فإنما هي إقبال وإدبار أو التقدير : إنه ذو عمل ، وفيه إشعار بأنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله ، وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوته . { عمِل غير صالح } علي قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : كان عند نوح عليه السلام أن ابنه كان على دينه لأنه كان ينافق وإلا لا يحتمل أن يقول { ابني من أهلي } ويسأله نجاته ، وقد سبق منه النهي عن سؤال مثله بقوله { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } فكان يسأله على الظاهر الذي عنده كما كان أهل النفاق يظهرون الموافقة لنبينا عليه السلام ويضمرون الخلاف له ولم يعلم بذلك حتى أطلعه الله عليه ، وقوله { ليس من أهلك } أي من الذين وعدت النجاة لهم وهم المؤمنون حقيقة في السر والظاهر { فَلاَ تَسْأَلْنى } اجتزاء بالكسر عن الياء : كوفي { تسألْني } بصري { تسألّني } مدني { تسألَن } ِّ شامي فحذف الياء واجتزأ بالكسرة والنون نون التأكيد { تسألن } َّ مكي { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } بجواز مسألته { إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } هو كما نهى رسولنا بقوله { فلا تكونن من الجاهلين } { [ الأنعام : 35 ] قَالَ رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } أي من أن أطلب منك من المستقبل ما لا علم لي بصحته تأدباً بأدبك واتعاظاً بموعظتك { وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى } ما فرط مني { وَتَرْحَمْنِى } بالعصمة عن العود إلى مثله { أَكُن مّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا } بتحية منا أو بسلامة من الغرق { وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ } هي الخيرات النامية وهي في حقه بكثرة ذريته وأتباعه ، فقد جعل أكثر الأنبياء من ذريته وأئمة الدين في القرون الباقية من نسله { وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ } « من » للبيان ، فتراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات أو قيل لهم أمم لأن الأمم تتشعب منهم ، أو لابتداء الغاية أي على أمم ناشئة ممن معك وهي الأمم إلى آخر الدهر وهو الوجه { وَأُمَمٌ } رفع بالابتداء { سَنُمَتّعُهُمْ } في الدنيا بالسعة في الرزق والخفض في العيش صفة والخبر محذوف تقديره ، وممن معك أمم سنمتعهم ، وإنما حذف لأن ممن معك يدل عليه { ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي في الآخرة ، والمعنى أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤون ممن معك . وممن معك أمم ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار وكان نوح عليه السلام أبا الأنبياء ، والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه في السفينة ، وعن محمد بن كعب : دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إِلى يوم القيامة وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر .