Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 106-112)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ أَوْ نُنسِهَا } تفسير النسخ لغة التبديل ، وشريعة بيان انتهاء الحكم الشرعي المطلق الذي تقرر في أوهامنا استمراره بطريق التراخي فكان تبديلاً في حقنا بياناً محضاً في حق صاحب الشرع . وفيه جواب عن البداء الذي يدعيه منكروه أعني اليهود ومحله حكم يحتمل الوجود والعدم في نفسه لم يلحق به ما ينافي النسخ من توقيت أو تأبيد ، ثبت نصاً أو دلالة . وشرطه التمكن من عقد القلب عندنا دون التمكن من الفعل خلافاً للمعتزلة . وإنما يجوز النسخ بالكتاب والسنة متفقاً ومختلفاً ويجوز نسخ التلاوة والحكم ، والحكم دون التلاوة ، والتلاوة دون الحكم ونسخ وصف بالحكم مثل الزيادة على النص فإنه نسخ عندنا خلافاً للشافعي رحمه الله . والإنساء أن يذهب بحفظها عن القلوب « أو ننسأها » مكي وأبو عمرو أي نؤخرها من نسأت أي أخرت { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } أي نأت بآية خير منها للعباد أي بآية العمل بها أكثر للثواب . { أَوْ مِثْلِهَا } في ذلك إذ لا فضيلة لبعض الآيات على البعض { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي قادر فهو يقدر على الخير وعلى مثله { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } فهو يملك أموركم ويدبرها وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ أو منسوخ . { وَمَا لَكُم مّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } يلي أمركم { وَلاَ نَصِيرٍ } ناصر يمنعكم من العذاب { أَمْ تُرِيدُونَ } « أم » منقطعة وتقديره بل أتريدون { أَن تَسْـئَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } روي أن قريشاً قالوا : يا محمد اجعل لنا الصفا ذهباً ووسع لنا أرض مكة فنهوا أن يقترحوا عليه الآيات كما اقترح قوم موسى عليه حين قالوا اجعل لنا إلهاً . { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَـٰنِ } ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } قصده ووسطه . { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم } أن يردوكم { مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا } حال من « كم » أي يردونكم عن دينكم كافرين ، نزلت حين قالت اليهود للمسلمين بعد واقعة أحد : ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق لما هزمتم فارجـعوا إلى ديننا فهو خير لكم . { حَسَدًا } مفعول له أي لأجل الحسد وهو الأسف على الخير عند الغير { مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } يتعلق بـ « ودّ » أي ودوا من عند أنفسهم ومن قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق لأنهم ودوا ذلك { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } أي من بعد علمهم بأنكم على الحق ، أو بـ « حسداً » أي حسداً متبالغاً منبعثاً من أصل نفوسهم . { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ } فاسلك بهم سبيل العفو والصفح عما يكون منهم من الجهل والعداوة { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } بالقتال { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } فهو يقدر على الانتقام منهم . { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ } من حسنة صلاة أو صدقة أو غيرهما { تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } تجدوا ثوابه عنده { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فلا يضيع عنده عمل عامل . والضمير في { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } لأهل الكتاب من اليهود والنصارى أي وقالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى ، فلفّ بين القولين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله ، وأمناً من الإلباس لما علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما صاحبه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْء وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْء } ؟ وهود جمع هائد كعائذ وعوذ وواحد اسم كان للفظ « من » ، وجمع الخبر لمعناه . { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } أشير بها إلى الأماني المذكورة وهي أمنيتهم ألا ينزل على المؤمنين خير من ربهم وأمنيتهم أن يردوهم كفاراً ، وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم أي تلك الأماني الباطلة أمانيهم . والأمنية أفعولة من التمني مثل الأضحوكة . { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ } هلموا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة . وهات بمنزلة هاء بمعنى أحضر وهو متصل بقولهم « لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى » و « تلك أمانيهم » اعتراض . { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في دعواكم . { بَلَىٰ } إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة . { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } من أخلص نفسه له لا يشرك به غيره . { وَهُوَ مُحْسِنٌ } مصدق بالقرآن . { فَلَهُ أَجْرُهُ } جواب « من أسلم » . و « هو » كلام مبتدأ متضمن لمعنى الشرط و « بلى » رد لقولهم . { عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } .