Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 98-105)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَن كَانَ عَدُوّا لّلَّهِ وَمَلـٰئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } بصري وحفص . و « ميكائل » باختلاس الهمزة كـ « ميكاعل » : مدني . و « ميكائيل » بالمد وكسر الهمزة مشبعة : غيرهم . وخص الملكان بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر إذ التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات . { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـٰفِرِينَ } أي لهم فجاء بالظاهر ليدل على أن الله إنما عاداهم لكفرهم ، وأن عداوة الملائكة كفر كعداوة الأنبياء ومن عاداهم عاداه الله { وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ءايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقُونَ } المتمردون من الكفرة واللام للجنس والأحسن أن تكون إشارة إلى أهل الكتاب . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك بها فنزلت الواو في { أَوَكُلَّمَا } الواو للعطف على محذوف تقديره أكفروا بالآيات البينات . وكلما { عَـٰهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ } نقضه ورفضه وقال { فَرِيقٌ مّنْهُمُ } لأن منهم من لم ينقض { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بالتوراة وليسوا من الدين في شيء فلا يعدون نقض المواثيق ذنباً ولا يبالون به . { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراة والذين أوتوا الكتاب اليهود { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } يعني التوراة لأنهم بكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم المصدق لما معهم كافرون بها نابذون لها ، أو كتاب الله القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول . { وَرَاء ظُهُورِهِمْ } مثل لتركهم وإعراضهم عنه مثل بما يرمى به وراء الظهور استغناء عنه وقلة التفات إليه { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنه كتاب الله . { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ } أي نبذ اليهود كتاب الله واتبعوا كتب السحر والشعوذة التي كانت تقرؤها { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } أي على عهد ملكه في زمانه ، وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما يسمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة وقد دونوها في كتب يقرأونها ويعلمونها الناس ، وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا : إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والريح . { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ } تكذيب للشياطين ودفع لما بهتت به سليمان من اعتقاد السحر والعمل به { وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ } هم الذين { كَفَرُواْ } باستعمال السحر وتدوينه . و « لكن » بالتخفيف « الشياطين » بالرفع : شامي وحمزة وعلي . { يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ } في موضع الحال أي كفروا معلمين الناس السحر قاصدين به إغواءهم وإضلالهم { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } الجمهور على أن « ما » بمعنى « الذي » هو نصب عطف على « السحر » أي ويعلمونهم ما أنزل على الملكين أو على « ما تتلوا » أي واتبعوا ما أنزل على الملكين { بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ } علمان لهما وهما عطف بيان للملكين ، والذي أنزل عليهما هو علم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافراً إن كان فيه رد ما لزم في شرط الإيمان ، ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه لئلا يغتر به كان مؤمناً ، قال الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله : القول بأن السحر على الإطلاق كفر خطأ بل يجب البحث عن حقيقته ، فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الإيمان فهو كفر وإلا فلا . ثم السحر الذي هو كفر يقتل عليه الذكور لا الإناث ، وما ليس بكفر وفيه إهلاك النفس ففيه حكم قطاع الطريق ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، وتقبل توبته إذا تاب . ومن قال لا تقبل فقد غلط فإن سحرة فرعون قبلت توبتهم . وقيل : أنزل أي قذف في قلوبهما مع النهي عن العمل . قيل : إنهما ملكان اختارتهما الملائكة لتركب فيهما الشهوة حين عيرت بني آدم فكانا يحكمان في الأرض ويصعدان بالليل ، فهويا زهرة فحملتهما على شرب الخمر فزنيا فرآهما إنسان فقتلاه فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة ، فهما يعذبان منكوسين في جب ببابل وسميت ببابل لتبلبل الألسن بها . { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ } وما يعلم الملكان أحداً { حَتَّىٰ يَقُولاَ } حتى ينبهاه وينصحاه ويقولا له { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } ابتلاء واختبار من الله . { فَلاَ تَكْفُرْ } بتعلمه والعمل به على وجه يكون كفراً { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا } الفاء عطف على قوله « يعلمون الناس السحر » أي يعلمونهم فيتعلمون من السحر والكفر اللذين دل عليهما قوله « كفروا » - و - « يعلمون الناس السحر » أو على مضمر والتقدير : فيأتون فيتعلمون . والضمير لما دل عليه « من أحد » أي فيتعلم الناس من الملكين ما { يفرِّقون به بين المرء وزوجه } أي علم السحر الذي يكون سبباً في التفريق بين الزوجين بأن يحدث الله عنده النشوز والخلاف ابتلاء منه . وللسحر حقيقة عند أهل السنة كثرهم الله وعنده المعتزلة هو تخييل وتمويه . { وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ } بالسحر { مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بعلمه ومشيئته { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } في الآخرة وفيه دليل على أنه واجب الاجتناب كتعلم الفلسفة التي تجر إلى الغواية . { وَلَقَدْ عَلِمُواْ } أي اليهود { لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } أي استبدل ما تتلو الشياطين من كتاب الله { مَالَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ } من نصيب { وَلَبِئْسَ ما شَرواْ بِهِ أَنفُسَهُمْ } باعوها وإنما نفى العلم عنهم بقوله { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } مع إثباته لهم بقوله « ولقد علموا » على سبيل التوكيد القسمي لأن معناه لو كانوا يعلمون بعلمهم جعلهم حين لم يعلموا به كأنهم لا يعلمون . { وَلَوْ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ } برسول الله والقرآن { وَٱتَّقَوْاْ } الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين { لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أن ثواب الله خير مما هم فيه وقد علموا ، لكنه جهلهم لما تركوا العمل بالعلم والمعنى : لأثيب من عند الله ما هو خير ، وأوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب « لو » لما فيها من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها . ولم يقل لمثوبة الله خير لأن المعنى لشيء من الثواب خير لهم . وقيل : « لو » بمعنى التمني كأنه قيل : وليتهم آمنوا ثم ابتدأ « لمثوبة من عند الله خير » . { يَعْلَمُونَ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا } كان المسلمون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ألقي عليهم شيئاً من العلم : راعنا يا رسول الله أي راقبنا وانتظرنا حتى نفهمه ونحفظه ، وكانت لليهود كلمة يتسابون بها عبرانية أو سريانية وهي « راعينا » ، فلما سمعوا بقول المؤمنين « راعنا » افترصوه وخاطبوا به الرسول وهم يعنون به تلك المسبة فنهى المؤمنون عنها وأمروا بما هو في معناها وهو « انظرنا » من نظره إذا انتطره . { وَٱسْمَعُواْ } وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلقي عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة ، أو واسمعوا سماع قبول وطاعة ولا يكن سماعكم كسماع اليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا . { وَلِلْكَـٰفِرِينَ } ولليهود الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } مؤلم . { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم } وبالتخفيف : مكي وأبو عمرو . { مّنْ خَيْرٍ مّن رَّبِّكُمْ } « من » الأولى للبيان لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان : أهل الكتاب والمشركون ، والثانية مزيدة لاستغراق الخير ، والثالثة لابتداء الغاية . والخير الوحي وكذلك الرحمة . { وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء } يعني أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحى إليهم فيحسدونكم وما يحبون أن ينزل عليكم شيء من الوحي والله يختص بالنبوبة من يشاء { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } فيه إشعار بأن إيتاء النبوة من الفضل العظيم ولما طعنوا في النسخ فقالوا : ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً نزل :