Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 11-16)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } معطوف على « يكذبون » ويجوز أن يعطف على « يقول آمنا » لأنك لو قلت ومن الناس من إذا قيل لهم { لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } لكان صحيحاً ، والفساد خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعاً به ، وضده الصلاح وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة . والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن لأن في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية ، وكان فساد المنافقين في الأرض أنهم كانوا يمايلون الكفار ويمالئونهم على المسلمين بإفشاء أسرارهم إليهم وإغرائهم عليهم وذلك مما يؤدي إلى هيج الفتن بينهم . { قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } بين المؤمنين والكافرين بالمداراة يعني أن صفة المصلحين خلصت لنا وتمحضت من غير شائبة قادح فيها من وجه من وجوه الفساد ، لأن « إنما » لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك « إنما ينطلق زيد وإنما زيد كاتب » و « ما » كافة لأنها تكفها عن العمل . { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } أنهم مفسدون فحذف المفعول للعمل به . « ألا » مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي لإعطاء معنى التنبيه على تحقق ما بعدها ، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحققاً كقوله تعالى : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـٰدِرٍ } [ القيامة : 40 ] ، ولكونها في هذا المنصب من التحقيق لا تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم ، وقد رد الله ما ادعوه من الانتظام في جملة المصلحين أبلغ رد وأدله على سخط عظيم والمبالغة فيه من جهة الاستئناف ، وما في « ألا » و « إن » من التأكيد وتعريف الخبر وتوسيط الفصل وقوله « لا يشعرون » . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ كَمَا ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ ٱلسُّفَهَاء } نصحوهم من وجهين : أحدهما تقبيح ما كانوا عليه لبعده عن الصواب وجره إلى الفساد ، وثانيهما تبصيرهم الطريق الأسَدَََّ من اتباع ذوي الأحلام ، فكان من جوابهم أن سفهوهم لتمادي جـهلهم ، وفيه تسلية للعالم مما يلقى من الجهلة . وإنما صح إسناد « قيل » إلى « لا تفسدوا » و « آمنوا » مع أن إسناد الفعل إلى الفعل لا يصح ، لأنه إسناد إلى لفظ الفعل والممتنع إسناد الفعل إلى معنى الفعل فكأنه قيل : وإذا قيل لهم هذا القول ومنه زعموا مطية الكذب . و « ما » في كما كافة في « ربما » ، أو مصدرية كما في { بِمَا رَحُبَتْ } [ التوبة : 25 ] واللام في الناس للعهد أي كما آمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه وهم ناس معهودون ، أو عبد الله بن سلام وأشياعه أي كما آمن أصحابكم وإخوانكم ، أو للجنس أي كما آمن الكاملون في الإنسانية ، أو جعل المؤمنون كأنهم الناس على الحقيقة ومن عداهم كالبهائم ، والكاف في « كما » في موضع النصب لأنه صفة مصدر محذوف أي إيماناً مثل إيمان الناس ومثله كما آمن السفهاء . والاستفهام في « أنؤمن » للإنكار ، في « السفهاء » مشار بها إلى الناس ، وإنما سفهوهم وهم العقلاء المراجيح لأنهم لجهلهم اعتقدوا أن ما هم فيه هو الحق وأن ما عداه باطل ، ومن ركب متن الباطل كان سفيهاً والسفه سخافة العقل وخفة الحلم . { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَاءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } أنهم هم السفهاء . وإنما ذكر هنا « لا يعلمون » وفيما تقدم « لا يشعرون » لأنه قد ذكر السفه وهوجهل فكان ذكر العلم معه أحسن طباقاً له ، ولأن الإيمان يحتاج فيه إلى نظر واستدلال حتى يكتسب الناظر المعرفة ، أما الفساد في الأرض فأمر مبني على العادات فهو كالمحسوس . والسفهاء خبر « إن » و « هم » فصل أو مبتدأ والسفهاء خبرهم والجملة خبر « إن » . { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوا ءَامَنَّا } وقرأ أبو حنيفة رحمه الله « وإذا لاقوا » يقال لقيته ولاقيته إذا استقبلته قريباً منه . الآية الأولى في بيان مذهب المنافقين والترجمة عن نفاقهم ، وهذه في بيان ما كانوا يعملون مع المؤمنين من الاستهزاء بهم ولقائهم بوجوه المصادقين وإيهامهم أنهم معهم . { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ } خلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه ، وبإلى أبلغ لأن فيه دلالة الابتداء والانتهاء أي إذا خلوا من المؤمنين إلى شياطينهم ، ويجوز أن يكون من خلا بمعنى مضى . وشياطينهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم وهم اليهود . وعن سيبويه أن نون الشياطين أصلية بدليل قولهم « تشيطن » ، وعنه أنها زائدة واشتقاقه من « شطن » إذا بعد لبعده من الصلاح والخير ، أو من شاط إذا بطل ومن أسمائه الباطل . { قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ } إنا مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم . وإنما خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وشياطينهم بالاسمية محققة بـ « إن » لأنهم في خطابهم مع المؤمنين في ادعاء حدوث الإيمان منهم لا في ادعاء أنهم أوحديون في الإيمان ، إما لأن أنفسهم لا تساعدهم عليه إذ ليس لهم من عقائدهم باعث ومحرك ، وإما لأنه لا يروج عنهم لو قالوه على لفظ التأكيد والمبالغة ، وكيف يطمعون في رواجه وهم بين ظهراني المهاجرين والأنصار . وأما خطابهم مع إخوانهم فقد كان عن رغبة وقد كان متقبلاً منهم رائجاً عنهم فكان مظنة للتحقيق ومئنة للتأكيد . وقوله { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } تأكيد لقوله « إنا معكم » لأن معناه الثبات على اليهودية ، وقوله « إنما نحن مستهزئون » رد للإسلام ودفع لهم منهم لأن المستهزىء بالشيء المستخف به منكر له ودافع لكونه معتداً به ، ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته أو استنئاف كأنهم اعترضوا عليهم بقولهم حين قالوا إنا معكم إن كنتم معنا فلم توافقون المؤمنين فقالوا إنما نحن مستهزئون . والاستهزاء السخرية والاستخفاف وأصل الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع ، وهزأ يهزأ مات على المكان . { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمُ } أي يجازيهم على استهزائهم فسمى جزاء الاستهزاء باسمه كقوله تعالى : { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] . { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } [ البقرة : 194 ] فسمى جزاء السيئة سيئة وجزاء الاعتداء اعتداء وإن لم يكن الجزاء سيئة واعتداء ، وهذا لأن الاستهزاء لا يجوز على الله تعالى من حيث الحقيقة لأنه من باب العبث وتعالى عنه . قال الزجاج : هو الوجه المختار . واستئناف قوله تعالى « الله يستهزىء بهم » من غير عطف في غاية الجزالة والفخامة ، وفيه أن الله هو الذي يستهزىء بهم الاستهزاء الأبلغ الذي ليس استهزاؤهم إليه باستهزاء لما ينزل بهم من النكال والذل والهوان . ولما كانت نكايات الله وبلاياه تنزل عليهم ساعة فساعة قيل « الله يستهزىء بهم » ولم يقل الله مستهزىء بهم ليكون طبقاً لقوله « إنما نحن مستهزؤون » { وَيَمُدُّهُمْ } أي يمهلهم عن الزجاج { فِي طُغْيَـٰنِهِمْ } في غلوهم في كفرهم { يَعْمَهُونَ } حال أي يتحيرون ويترددون وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح . { أُوْلَـٰئِكَ } مبتدأ خبره . { ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } أي استبدلوها به واختاروها عليه . وإنما قال اشتروا الضلالة بالهدى ولم يكونوا على هدى لأنها في قوم آمنوا ثم كفروا ، أو في اليهود الذين كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم فلما جاءهم كفروا به ، أو جعلوا لتمكنهم منه كأن الهدى قائم فيهم فتركوه بالضلالة ، وفيه دليل على جواز البيع تعاطياً لأنهم لم يتلفظوا الشراء ولكن تركوا الهدى بالضلالة عن اختيارهم ، وسمي ذلك شراء فصار دليلاً لنا على أن من أخذ شيئاً من غيره ترك عليه عوضه برضاه فقد اشتراه وإن لم يتكلم به . والضلالة الجور عن القصد وفقد الاهتداء ، يقال ضل منزله فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين . { فَمَا رَبِحَت تِّجَـٰرَتُهُمْ } الربح الفضل على رأس المال ، والتجـارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشتري للربح ، وإسناد الربح إلى التجارة من الإسناد المجـازي ، ومعناه فما ربحوا في تجارتهم إذ التجارة لا تربح ، ولما وقع شراء الضلالة بالهدى مجازاً أتبعه ذكر الربح والتجـارة ترشيحاً له كقوله : @ ولما رأيت النسر عز ابن دأية وعشش في وكريه جاش له صدري @@ لما شبه الشيب بالنسر والشعر الفاحم بالغراب أتبعه ذكر التعشيش والوكر . { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } لطرق التجارة كما يكون التجار المتصرفون العالمون بما يربح فيه ويخسر . والمعنى أن مطلوب التجار سلامة رأس المال والربح وهؤلاء قد أضاعوهما ، فرأس مالهم الهدى ولم يبق لهم مع الضلالة ، وإذا لم يبق لهم إلا الضلالة لم يوصفوا بإصابة الربح وإن ظفروا بالأغراض الدنيوية لأن الضال خاسر ، ولأنه لا يقال لمن لم يسلم له رأس ماله قد ربح . وقيل : « الذين » صفة « أولئك » و « فما ربحت تجارتهم » إلى آخر الآية في محل رفع خبر « أولئك » .