Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 125-137)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ } أي الكعبة وهو اسم غالب لها كالنجم للثريا { مَثَابَةً لّلنَّاسِ } مباءة ومرجعاً للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه { وَأَمْناً } وموضع أمن فإن الجاني يأوي إليه فلا يتعرض له حتى يخرج وهو دليل لنا في الملتجىء إلى الحرم . { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى } وقلنا أتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه . وعنه عليه السلام أنه أخذ بيد عمر فقال " هذا مقام إبراهيم " فقال عمر أفلا نتخذه مصلى فقال عليه السلام " لم أومر بذلك " فلم تغب الشمس حتى نزلت . وقيل : مصلى مدعى ، ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه . وقيل : الحرم كله مقام إبراهيم . « واتخذوا » شامي ونافع بلفظ الماضي عطفاً على « جـعلنا » أي واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذريته عنده قبلة يصلون إليها { وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ } أمرناهما { أَن طَهّرَا بَيْتِىَ } بفتح الياء : مدني وحفص أي بأن طهرا أو أي طهرا والمعنى طهراه من الأوثان والخبائث والأنجاس كلها { لِلطَّائِفِينَ } للدائرين حوله { وَٱلْعَـٰكِفِينَ } المجاورين الذين عكفوا عنده أي أقاموا لا يبرحون أو المعتكفين . وقيل : للطائفين للنزّاع إليه من البلاد والعاكفين والمقيمين من أهل مكة . { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } والمصلحين جـمعاً راكع وساجد . { وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبِ ٱجْعَلْ هَٰذَا } أي اجعل هذا البلد أو هذا المكان { بَلَدًا آمِنًا } ذا أمن كعيشة راضية أو آمناً من فيه كقولك « ليل نائم » فهذا مفعول أول . و « بلداً » مفعول ثانٍ و « آمناً » صفة له . { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } لأنه لم يكن لهم ثمرة . ثم أبدل { مَنْ ءَامَنَ مِنْهُم بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } من أهله بدل البعض من الكل أي وارزق المؤمنين من أهله خاصة . قاس الرزق على الإمامة فخص المؤمنين به . قال الله تعالى جواباً له { وَمَن كَفَرَ } أي وارزق من كفر { فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً } تمتيعاً قليلاً أو زماناً قليلاً إلى حين أجله . « فأمتعه » : شامي { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } ألجئه { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } المرجـع الذي يصير إليه النار فالمخصوص بالذم محذوف . { وَإِذْ يَرْفَعُ } حكاية حال ماضية { إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ } هي جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه وهي صفة غالبة ومعناها الثابتة . ورفع الأساس البناء عليها لأنها إذا بنى عليها نقلت عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر . { مِنَ ٱلْبَيْتِ } بيت الله وهو الكعبة { وَإِسْمَـٰعِيلُ } هو عطف على إبراهيم وكان ابراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة { رَبَّنَا } أي يقولان ربنا . وهذا الفعل في محل النصب على الحال وقد أظهره عبد الله في قراءته ومعناه يرفعانها قائلين ربنا { تَقَبَّلْ مِنَّا } تقربنا إليك ببناء هذا البيت { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ } لدعائنا { ٱلْعَلِيمُ } بضمائرنا ونياتنا . وفي إبهام القواعد وتبيينها بعد الإبهام تفخيم لشأن المبين . { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } مخلصين لك أوجهنا من قوله { أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } [ البقرة : 112 ] أو مستسلمين يقال أسلم له واستسلم إذا خضع وأذعن ، والمعنى زدنا إخلاصاً وإذعاناً لك . { وَمِن ذُرّيَّتِنَا } واجعل من ذريتنا { أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } و « من » للتبعيض أو للتبيين . وقيل : أراد بالأمة أمة محمد عليه السلام وإنما خصا بالدعاء ذريتهما لأنهم أولى بالشفقة كقوله تعالى : { قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] . { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } منقول من « رأى » بمعنى أبصر أو عرف ولذا لم يتجاوز مفعولين أي وبصرنا متعبداتنا في الحج أو عرفناها . وواحد المناسك منسك بفتح السين وكسرها وهو المتعبد ولهذا قيل للعابد ناسك . « وأرنا » : مكي قاسه على فخذ في فخذ ، وأبو عمرو يشم الكسرة . { وَتُبْ عَلَيْنَا } ما فرط منا من التقصير أو استتاباً لذريتهما { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ } في الأمة المسلمة { رَسُولاً مِّنْهُمْ } من أنفسهم فبعث الله فيهم محمداً عليه السلام ، قال عليه السلام " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي " { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ } يقرأ عليهم ويبلغهم ما توحي إليه من دلائل وحدانيتك وصدق أنبيائك ورسلك { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } القرآن { وَٱلْحِكْـمَةَ } السنة وفهم القرآن { وَيُزَكّيهِمْ } ويطهرهم من الشرك وسائر الأرجاس { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } الغالب الذي لا يغلب { ٱلْحَكِيمُ } فيما أوليت . { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْرٰهِيمَ } استفهام بمعنى الجحد وإنكار أن يكون في العقلاء من يرغب عن الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم . والملة السنة والطريقة كذا عن الزجـاج { إِلاَّ مَنْ } في محل الرفع على البدل من الضمير في « يرغب » ، وصح البدل لأن من يرغب غير موجب كقولك « هل جاءك أحد إلا زيد » والمعنى وما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من { سَفِهَ نَفْسَهُ } أي جهل نفسه أي لم يفكر في نفسه . فوضع سفه موضع جهل وعدي كما عدي ، أو معناه سفه في نفسه فحذف في كما حذف « من » في قوله { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] أي من قومه ، وعلى في قوله : { وَلا تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ ٱلنّكَاحِ } [ البقرة : 235 ] . أي على عقدة النكاح والوجهان عن الزجاج . وقال الفراء : هو منصوب على التمييز وهو ضعيف لكونه معرفة . { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَـٰهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } بيان لخطأ رأي من يرغب عن ملته لأن من جمع كرامة الدارين لم يكن أحد أولى بالرغبة من طريقته منه { إِذْ قَالَ } ظرف لاصطفيناه ، أو انتصب بإضمار « اذكر » كأنه قيل : اذكر ذلك الوقت لتعلم أنه المصطفى الصالح الذي لا يرغب عن ملة مثله . { لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } أذعن أو أطع أو أخلص دينك لله { قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي أخلصت أو انقدت . { وَوَصَّىٰ } « وأوصى » مدني وشامي . { بِهَا } بالملة أو بالكلمة وهي أسلمت لرب العالمين { إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ } هو معطوف على إبراهيم داخل في حكمه والمعنى ووصى بها يعقوب بنيه أيضاً { يَا بَنِىَّ } على إضمار القول { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدّينَ } أي أعطاكم الدين الذي هو صفوة الأديان وهو دين الإسلام ووفقكم للأخذ به { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام ، فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام إذا ماتوا كقولك « لا تصلّ إلا وأنت خاشع » فلا تنهاه عن الصلاة ولكن عن ترك الخشوع في صلاته . { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ } أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار . والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أي ما كنتم حاضرين يعقوب عليه السلام إذ حضره الموت أي حين احتضر ، والخطاب للمؤمنين بمعنى ما شهدتم ذلك وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي . أو متصله ويقدر قبلها محذوف والخطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون ما مات نبي إلا على اليهودية كأنه قيل : أتدّعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت { إِذْ قَالَ } بدل من « إذ » الأولى والعامل فيهما شهداء أو ظرف لـ « حضر » { لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ } ما استفهام في محل النصب بـ « تعبدون » أي أيّ شيء تبعدون ؟ و « ما » عام في كل شيء أو هو سؤال عن صفة المعبود كما تقول « ما زيد » تريد أفقيه أم طبيب . { مِن بَعْدِى } من بعد موتي . { قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ } أعيد ذكر الإله لئلا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار . { إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } عطف بيان لآبائك ، وجعل إسماعيل من جملة آبائه وهو عمه لأن العم أب قال عليه السلام في العباس " هذا بقية آبائي " . { إِلَـٰهاً وٰحِداً } بدل من إله آبائك كقوله : { بِٱلنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَـٰذِبَةٍ } [ العلق : 15 ، 16 ] أو نصب على الاختصاص أي نريد بإله آبائك إلهاً واحداً . { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } حال من فاعل « نعبد » أو جملة معطوفة على « نعبد » أو جملة اعتراضية مؤكدة . { تِلْكَ } إشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون { أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } مضت { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم } أي إن أحداً لا ينفعه كسب غيره متقدماً كان أو متأخراً ، فكما أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا فكذلك أنتم لا ينفعكم إلا ما اكتسبتم وذلك لافتخارهم بآبائهم { وَلاَ تُسْـئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ولا تؤاخذون بسيئاتهم . { وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } أي قالت اليهود كونوا هوداً وقالت النصارى كونوا نصارى . وجزم { تَهْتَدُواْ } لأنه جواب الأمر . { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ } بل نتبع ملة إبراهيم { حَنِيفاً } حال من المضاف إليه نحو « رأيت وجه هند قائمة » . والحنيف المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق . { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } تعريض بأهل الكتاب وغيرهم لأن كلاًّ منهم يدعي اتباع ملة إبراهيم وهو على الشرك . { قُولُواْ } هذا خطاب للمؤمنين أو للكافرين أي قولوا لتكونوا على الحق وإلا فأنتم على الباطل { آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا } أي القرآن { وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } السبط الحافد وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر . ويعدى « أنزل » بـ « إلى » و « على » فلذا ورد هنا بـ « إلى » وفي آل عمران بـ « على » { وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى . وأحد في معنى الجماعة ولذا صح دخول بين عليه . { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } لله مخلصون { فَإِنْ ءَامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءَامَنتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } ظاهر الآية مشكل لأنه يوجب أن يكون لله تعالى مثل وتعالى عن ذلك . فقيل : الباء زائدة و « مثل » صفة مصدر محذوف تقديره فإن آمنوا إيماناً مثل إيمانكم والهاء يعود إلى الله عز وجل ، وزيادة الباء غير عزيز قال الله تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } [ يونس : 27 ] والتقدير جزاء سيئة مثلها كقوله في الآية الأخرى : { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] وقيل : المثل زيادة أي فإن آمنوا بما آمنتم به يؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه بما آمنتم به . و « ما » بمعنى « الذي » بدليل قراءة أبي « بالذي آمنتم به » . وقيل : الباء للاستعانة كقولك « كتبت بالقلم » أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها { وإن تَوَلَّوْا } عما تقولون لهم ولم ينصفوا أو إن تولوا عن الشهادة والدخول في الإيمان بها { فإنّما هم في شقاقٍ } أي فما هم إلا في خلاف وعداوة وليسوا من طلب الحق في شيء { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } ضمان من الله لإظهار رسوله عليهم وقد أنجز وعده بقتل بعضهم وإجلاء بعضهم ، ومعنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين . { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لما ينطقون به { ٱلْعَلِيمُ } بما يضمرون من الحسد والغل وهو معاقبهم عليه فهو وعيد لهم ، أو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي يسمع ما تدعو به ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك .