Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 159-164)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ } هما علمان للجبلين . { مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } من أعلام مناسكه ومتعبداته جمع شعيرة وهي العلامة { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ } قصد الكعبة { أَوِ ٱعْتَمَرَ } زار الكعبة ، فالحج : القصد ، والاعتمار : الزيارة ، ثم غلبا على قصد البيت وزيارته للنسكين المعروفين وهما في المعاني كالنجم والبيت في الأعيان . { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ } فلا إثم عليه { أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } ، أي يتطوف فأدغم التاء في الطاء . وأصل الطوف المشي حول الشيء والمراد هنا السعي بينهما . قيل : كان على الصفا « إساف » وعلى المروة « نائلة » وهما صنمان يروى أنهما كانا رجلاً وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة عبدا من دون الله . وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية فرفع عنهم الجناح بقوله « فلا جناح » . وهو دليل على أنه ليس بركن كما قال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى . وكذا قوله { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا } أي بالطواف بهما مشعر بأنه ليس بركن . « ومن يطوع » : حمزة وعلي أي يتطوع فأدغم التاء في الطاء { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ } مجاز على القليل كثيراً { عَلِيمٌ } بالأشياء صغيراً أو كبيراً . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } من أحبار اليهود { مَا أَنَزَلْنَا } في التوراة { مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ } من الآيات الشاهدة على أمر محمد عليه السلام { وَٱلْهُدَىٰ } الهداية إلى الإسلام بوصفه عليه السلام { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ } أوضحناه { لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ } في التوراة لم ندع فيه موضع إشكال فعمدوا إلى ذلك المبين فكتموه { أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ } الذين يتأتى منهم اللعن وهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } عن الكتمان وترك الإيمان { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا من أحوالهم وتداركوا ما فرط منهم { وَبَيَّنُواْ } وأظهروا ما كتموا { فَأُوْلَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ } أقبل توبتهم { وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ * إِن ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } يعني الذين ماتوا من هؤلاء الكاتمين ولم يتوبوا { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلـٰئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتاً . والمراد بالناس المؤمنون أو المؤمنون والكافرون إذ بعضهم يلعن بعضاً يوم القيامة قال الله تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] . { خَـٰلِدِينَ } حال من هم في « عليهم » { فِيهَا } في اللعنة أو في النار إلا أنها أضمرت تفخيماً لشأنها وتهويلاً { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } من الإنظار أي لا يمهلون أو لا ينتظرون ليعتذروا أو لا ينظر إليهم نظر رحمة { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } فرد في ألوهيته لا شريك له فيها ولا يصح أن يسمى غير إلها { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } تقرير للوحدانية ينفي غيره وإثباته . وموضع « هو » رفع لأنه بدل من موضع « لا إله » ولا يجوز النصب هنا لأن البدل يدل على أن الاعتماد على الثاني ، والمعنى في الآية على ذلك والنصب يدل على أن الاعتماد على الأول . ورفع « الرّحمٰن الرّحيم » أي المولى لجميع النعم أصولها وفروعها ولا شيء سواه بهذه الصفة فما سواه إما نعمة وإما منعم عليه على أنه خبر مبتدأ ، أو على البدل من « هو » لا على الوصف لأن المضمر لا يوصف . ولما عجب المشركون من إله واحد وطلبوا آية على ذلك نزل { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } في اللون والطول والقصر وتعاقبهما في الذهاب والمجيء { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } بالذي ينفعهم مما يحمل فيها أو بنفع الناس و « من » في { وَمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ } لابتداء الغاية وفي { مِن مَّاءٍ } مطر لبيان الجنس لأن ما ينزل من السماء مطر وغيره . ثم عطف على « أنزل » { فَأَحْيَا بِهِ } بالماء { ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } يبسها ثم عطف على « فأحيا » { وَبَثَّ } وفرق { فِيهَا } في الأرض { مِن كُلِّ دَابَّةٍ } هي كل ما يدب { وَتَصْرِيفِ ٱلرّيَاحِ } « الريح » : حمزة وعلي . أي وتقليبها في مهابها قبولاً ودبوراً وجنوباً وشمالاً ، وفي أحوالها حارة وباردة وعاصفة ولينة وعقماً ولواقح . وقيل : تارة بالرحمة وطوراً بالعذاب . { وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ } المذلل المنقاد لمشيئة الله تعالى فيمطر حيث شاء { بَيْنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ } في الهواء { لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون فيستدلون بهذه الأشياء على قدرة موجدها وحكمة مبدعها ووحدانية منشئها . وفي الحديث ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها أي لم يتفكر فيها ولم يعتبر بها .