Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 252-257)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } إشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في هذه السورة من آدم إلى داود أو التي ثبت علمها عند رسول الله عليه السلام { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } بالخصائص وراء الرسالة لاستوائهم فيها كالمؤمنين يستوون في صفة الإيمان ويتفاوتون في الطاعات بعد الإيمان . ثم بين ذلك بقوله { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } أي كلمه الله حذف العائد من الصلة يعني منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير وهو موسى عليه السلام { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ } مفعول أول { دَرَجَـٰتٌ } مفعول ثانٍ أي بدرجـات أو إلى درجات يعني ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو المفضل عليهم بإرساله إلى الكافة ، وبأنه أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف أو أكثر ، وأكبرها القرآن لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر . وفي هذا الإبهام تفخيم وبيان أنه العلم الذي لا يشتبه على أحد ، والمتميز الذي لا يلتبس . وقيل : أريد به محمد وإبراهيم وغيرهما من أولي العزم من الرسل { وَءَاتَيْنَا عِسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتُ } كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص وغير ذلك { وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } قويناه بجبريل أو بالإنجيل { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ } أي ما اختلف لأنه سببه { ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } من بعد الرسل { مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } المعجزات الظاهرات { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ } بمشيئتي . ثم بين الاختلاف فقال { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ } بمشيئتي . يقول الله أجريت أمور رسلي على هذا ، أي لم يجتمع لأحد منهم طاعة جميع أمته في حياته ولا بعد وفاته بل اختلفوا عليه فمنهم من آمن ومنهم من كفر { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } كرره للتأكيد أي لو شئت أن لا يقتتلوا لم يقتتلوا إذ لا يجري في ملكي إلا ما يوافق مشيئتي ، وهذا يبطل قول المعتزلة لأنه أخبر أنه لو شاء أن لا يقتتلوا لم يقتتلوا وهم يقولون شاء أن لا يقتتلوا فاقتتلوا { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } أثبت الإرادة لنفسه كما هو مذهب أهل السنة . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم } في الجهاد في سبيل الله ، أو هو عام في كل صدقة واجبة { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق لأنه لا بيع فيه حتى تبتاعوا ما تنفقونه { وَلاَ خُلَّةٌ } حتى يسامحكم أخلاؤكم به { وَلاَ شَفَـٰعَةٌ } أي للكافرين ، فأما المؤمنون فلهم شفاعة أو إلا بإذنه { وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أنفسهم بتركهم التقديم ليوم حاجاتهم ، أو الكافرون بهذا اليوم هم الظالمون . « لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة » : مكي وبصري { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } « لا » مع اسمه وخبره وما أبدل من موضعه في موضع الرفع خبر المبتدأ وهو « الله » { ٱلْحَىُّ } الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء { ٱلْقَيُّومُ } الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ } نعاس وهو ما يتقدم النوم من الفتور { وَلاَ نَوْمٌ } عن المفضل : السنة ثقل في الرأس ، والنعاس في العين ، والنوم في القلب وهو تأكيد للقيوم ، لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوماً ، وقد أوحى إلى موسى عليه السلام : قل لهؤلاء إني أمسك السموات والأرض بقدرتي فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا . { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ملكاً وملكاً { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ليس لأحد أن يشفع عنده إلا بإذنه وهو بيان لملكوته وكبريائه ، وأن أحداً لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام ، وفيه رد لزعم الكفار أن الأصنام تشفع لهم { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } ما كان قبلهم وما يكون بعدهم والضمير لما في السماوات والأرض لأن فيهم العقلاء { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مّنْ عِلْمِهِ } من معلومه يقال في الدعاء « اللهم اغفر علمك فينا » أي معلومك { إِلاَّ بِمَا شَاءَ } إلا بما علم { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي علمه ومنه الكراسة لتضمنها العلم والكراسي العلماء ، وسمي العلم كرسياً تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم وهو كقوله تعالى : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً } [ غافر : 7 ] أو ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك أو عرشه كذا عن الحسن ، أو هو سرير دون العرش في الحديث " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بفلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة " أو قدرته بدليل قوله { وَلاَ يَئُودُهُ } ولا يثقله ولا يشق عليه { حِفْظُهُمَا } حفظ السموات والأرض { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ } في ملكه وسلطانه { ٱلْعَظِيمُ } في عزه وجلاله أو العلي المتعالي عن الصفات التي لا تليق به العظيم ، المتصف بالصفات التي تليق به ، فهما جامعان لكمال التوحيد . وإنما ترتبت الجمل في آية الكرسي بلا حرف عطف لأنها وردت على سبيل البيان ؛ فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمناً عليه غير ساهٍ عنه ، والثانية لكونه مالكاً لما يدبره ، والثالثة لكبرياء شأنه ، والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق ، والخامسة لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها أو لجلاله وعظم قدره . وإنما فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد ، منه ما روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجـعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله " وقال عليه السلام " سيد البشر آدم ، وسيد العرب محمد ولا فخر ، وسيد الفرس سلمان ، وسيد الروم صهيب ، وسيد الحبشة بلال ، وسيد الجبال الطور ، وسيد الأيام يوم الجمعة ، وسيد الكلام القرآن ، وسيد القرآن البقرة ، وسيد البقرة آية الكرسي " وقال " ما قرئت هذه الآية في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوماً ، ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة " وقال " من قرأ آية الكرسي عند منامه بعث إليه ملك يحرسه حتى يصبح " وقال " من قرأ هاتين الآيتين حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح ، وإن قرأهما حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي : آية الكرسي وأول « حم المؤمن » إلى { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } " لاشتمالهما على توحيد الله تعالى وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ، ولا مذكور أعظم من رب العزة فما كان ذاكراً له كان أفضل من سائر الأذكار وبه يعلم أن أشرف العلوم علم التوحيد . { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } أي لا إجبار على الدين الحق وهو دين الإسلام . وقيل : هو إخبار في معنى ، النهي ، ورُوي أنه كان لأنصاري ابنان فتنصرا فلزمهما أبوهما وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما ، فأبيا فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعضي في النار وأنا أنظر ؟ فنزلت فخلاهما . قال ابن مسعود وجماعة : كان هذا في الابتداء ثم نسخ بالأمر بالقتال { قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } قد تميز الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ } بالشيطان أو الأصنام { وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ } تمسك { بِٱلْعُرْوَةِ } أي المعتصم والمتعلق { ٱلْوُثْقَىٰ } تأنيث الأوثق أي الأشد من الحبل الوثيق المحكم المأمون { لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } لا انقطاع للعروة ، وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده ، والمعنى فقد عقد لنفسه من الدين عقداً وثيقاً لا تحله شبهة { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لإقراره { عَلِيمٌ } باعتقاده . { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أرادوا أن يؤمنوا أي ناصرهم ومتولي أمورهم { يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ } من ظلمات الكفر والضلالة وجمعت لاختلافها { إِلَى ٱلنُّورِ } إلى الإيمان والهداية ووحد لاتحاد الإيمان { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مبتدأ والجملة وهي { أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ } خبره { يُخْرِجُونَهُم مّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ } وجمع لأن الطاغوت في معنى الجمع يعني والذين صمموا على الكفر أمرهم على عكس ذلك ، أو الله ولي المؤمنين يخرجهم من الشبهة في الدين إن وقعت لهم بما يهديهم ويوفقهم له من حلها حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين ، والذين كفروا أولياؤهم الشياطين يخرجونهم من نور البينات الذي يظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة { أُولَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } . ثم عجب نبيه عليه السلام وسلاه بمجادلة إبراهيم عليه السلام نمرود الذي كان يدعي الربوبية بقوله .