Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 241-251)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلِلْمُطَلَّقَـٰتِ مَتَـٰعٌ } أي نفقة العدة { بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّا } نصب على المصدر { عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } هو في موضع الرفع لأنه خبر « لعل » ، وإن أريد به المتعة فالمراد غير المطلقة المذكورة وهي على سبيل الندب { أَلَمْ تَرَ } تقرير لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأخبار الأولين وتعجيب من شأنهم ، ويجوز أن يخاطب به من لم ير ولم يسمع لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجيب { إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } من قرية قيل : واسط وقع فيهم الطاعون فخرجوا هاربين فأماتهم الله ثم أحياهم بدعاء حزقيل عليه السلام . وقيل : هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذراً من الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم { وَهُمْ أُلُوفٌ } في موضع النصب على الحال ، وفيه دليل على الألوف الكثيرة لأنها جـمع كثرة وهي جمع ألف لا آلف { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } مفعول له { فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ } أي فأماتهم الله ، وإنما جيء به على هذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته وتلك ميتة خارجة عن العادة ، وفيه تشجيع للمسلمين على الجهاد ، وأن الموت إذا لم يكن منه بد ولم ينفع منه مفر فأولى أن يكون في سبيل الله { ثُمَّ أَحْيَـٰهُمْ } ليعتبروا ويعلموا أنه لا مفر من حكم الله وفضائه ، وهو معطوف على فعل محذوف تقديره فماتوا ثم أحياهم ، ولما كان معنى قوله « فقال لهم الله موتوا » فأماتهم كان عطفاً عليه معنى { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } حيث يبصرهم ما يعتبرون به كما بصر أولئك وكما بصركم باقتصاص خبرهم ، أو لذو فضل على الناس حيث أحيا أولئك ليعتبروا فيفوزوا ولو شاء لتركهم موتى إلى يوم النشور { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } ذلك . والدليل على أنه ساق هذه القصة بعثاً على الجهاد ما أتبعه من الأمر بالقتال في سبيل الله وهو قوله . { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فحرض على الجهاد بعد الإعلام لأن الفرار من الموت لا يغني ، وهذا الخطاب لأمة محمد عليه السلام أو لمن أحياهم { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } يسمع ما يقوله المتخلفون والسابقون { عَلِيمٌ } بما يضمرونه { مِنْ } استفهام في موضع رفع بالابتداء { ذَا } خبره { ٱلَّذِى } نعت لـ « ذا » أو بدل منه { يُقْرِضُ ٱللَّهَ } صلة الذي سمى ما ينفق في سبيل الله قرضاً لأن القرض ما يقبض ببدل مثله من بعد ، سمى به لأن المقرض يقطعه من ماله فيدفعه إليه . والقرض القطع ومنه المقراض ، وقرض الفأر والانقراض فنبههم بذلك على أنه لا يضيع عنده وأنه يجزيهم عليه لا محالة { قَرْضًا حَسَنًا } بطيبة النفس من المال الطيب ، والمراد النفقة في الجهاد لأنه لما أمر بالقتال في سبيل الله ويحتاج فيه إلى المال حيث على الصدقة ليتهيأ أسباب الجهاد { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } بالنصب : عاصم على جواب الاستفهام . وبالرفع : أبو عمر ونافع وحمزة وعلي عطفاً على « يقرض » ، أو هو مستأنف أي فهو يضاعفه . « فيضعفه » : شامي . « فيضعفه » : مكي . { أَضْعَافًا } في موضع المصدر { كَثِيرَةٍ } لا يعلم كنهها إلا الله . وقيل : الواحد بسبعمائة . { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ } يقتر الرزق على عباده ويوسعه عليهم فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم لا يبدلكم الضيق بالسعة . و « يبصط » حجازي وعاصم وعلي { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم على ما قدمتم . { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ } الأشراف لأنهم يملأون القلوب جلالة والعيون مهابة { مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ } « من » للتبعيض { مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } من بعد موته و « من » لابتداء الغاية { إِذْ قَالُواْ } حين قالوا { لِنَبِىّ لَّهُمُ } هم شمعون أو يوشع أو اشمويل { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكًا } أنهض للقتال معنا أميراً نصدر في تدبير الحرب عن رأيه وننتهي إلى أمره { نُقَـٰتِلْ } بالنون والجزم على الجواب { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } صلة نقاتل { قَالَ } النبي { هَلْ عَسَيْتُمْ } « عسيتم » حيث كان : نافع . { إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ } شرط فاصل بين اسم « عسى » وخبره وهو { أَلاَّ تُقَـٰتِلُواْ } والمعنى : هل قاربتم أن لا تقاتلوا يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون وتجبنون ، فأدخل « هل » مستفهماً عما هو متوقع عنده ، وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه { قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَـٰتِلَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } وأي داعٍ لنا إلى ترك القتال وأي غرض لنا فيه { وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَـٰرِنَا وَأَبْنَائِنَا } الواو في « وقد » للحال وذلك أن قوم جالوت كانوا يسكنون بين مصر وفلسطين فأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين يعنون إذا بلغ الأمر منا هذا المبلغ فلا بد من الجهاد { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } أي أجيبوا إلى ملتمسهم { تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عنه { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } وهم كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ } وعيد لهم على ظلمهم بترك الجهاد . { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ } هو اسم أعجمي كجالوت وداود ، ومنع من الصرف للتعريف والعجمة { مَلِكًا } حال { قَالُواْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا } أي كيف ومن أين وهو إنكار لتملكه عليهم واستبعاد له { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ } الواو للحال { وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مّنَ ٱلْمَالِ } أي كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق بالملك وأنه فقير لا بد للملك من مال يعتضد به ، وإنما قالوا ذلك لأن النبوة كانت في سبط لاوي بن يعقوب عليه السلام ، والملك في سبط يهوذا وهو كان من سبط بنيامين ، وكان رجلاً سقاء أو دباغاً فقيراً . وروي أن نبيهم دعا الله حين طلبوا منه ملكاً فأتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰهُ عَلَيْكُمْ } الطاء في « اصطفاه » بدل من التاء لمكان الصاد الساكنة أي اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم ولا اعتراض على حكمه . ثم ذكر مصلحتين أنفع مما ذكروا من النسب والمال وهما العلم المبسوط والجسامة فقال { وَزَادَهُ بَسْطَةً } مفعول ثانٍ { فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ } قالوا : كان أعلم بني إسرائيل بالحرب والديانات في وقته ، وأطول من كل إنسان برأسه ومنكبه . والبسطة السعة والامتداد ، والملك لا بد أن يكون من أهل العلم فإن الجاهل ذليل مزدري غير منتفع به ، وأن يكون جسيماً لأنه أعظم في النفوس وأهيب في القلوب . { وَٱللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاء } أي الملك له غير منازع فيه وهو يؤتيه من يشاء إيتاءه وليس ذلك بالوراثة { وَٱللَّهُ وٰسِعٌ } أي واسع الفضل والعطاء على من ليس له سعة من المال ويغنيه بعد الفقر { عَلِيمٌ } بمن يصطفيه للملك فثمة طلبوا من نبيهم آية على اصطفاء الله طالوت . { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ } أي صندوق التوراة ، وكان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون . { فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ } سكون وطمأنينة { وَبَقِيَّةٌ } هي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة ونعلا موسى وعمامة هارون عليهما السلام { مّمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَىٰ وَءالُ هَـٰرُونَ } أي مما تركه موسى وهارون والآل مقحم لتفخيم شأنهما { تَحْمِلُهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } يعني التابوت وكان رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون إليه ، والجملة في موضع الحال وكذا « فيه سكينة » . « ومن ربكم » نعت لـ « سكينة » و « مما ترك » نعت لـ « بقية » { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } إن في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله قد ملك طالوت عليكم إن كنتم مصدقين . { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ } خرج { بِٱلْجُنُودِ } عن بلده إلى جهاد العدو و « بالجنود » في موضع الحال أي مختلطاً بالجنود وهم ثمانون ألفاً ، وكان الوقت قيظاً وسألوا أن يجري الله لهم نهراً { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم } مختبركم أي يعاملكم معاملة المختبر { بِنَهَرٍ } وهو نهر فلسطين ليتميز المحقق في الجهاد من المعذر { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ } كرعاً { فَلَيْسَ مِنّي } فليس من أتباعي وأشياعي { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } ومن لم يذقه من طعم الشيء إذا ذاقه { فَإِنَّهُ مِنّى } وبفتح الياء : مدني وأبو عمرو . واستثنى { إِلا مَنِ ٱغْتَرَفَ } من قوله « فمن شرب منه فليس مني » والجملة الثانية في حكم المتأخرة عن الاستثناء إلا أنها قدمت للعناية { غُرْفَةً بِيَدِهِ } « غرفة » : حجازي وأبو عمرو بمعنى المصدر ، وبالضم بمعنى المغروف ومعناه الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكرع ، والدليل عليه { فَشَرِبُواْ مِنْهُ } أي فكرعوا { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } وهم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً { فَلَمَّا جَاوَزَهُ } أي النهر { هُوَ } طالوت { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ } أي القليل { قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ } أي لا قوة لنا { بِجَالُوتَ } هو جبار من العمالقة من أولاد عمليق بن عاد وكان في بيضته ثلثمائة رطل من الحديد { وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ ٱللَّهِ } يوقنون بالشهادة . قيل : الضمير في « قالوا » للكثير الذين انخذلوا والذين يظنون هم القليل الذين ثبتوا معه . وروي أن الغرفة كانت تكفي الرجل لشربه وإداوته والذين شربوا منه اسودت شفاههم وغلبهم العطش { كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ } « كم » خبرية وموضعها رفع بالابتداء { غَلبَت } خبرها { فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بنصره { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } بالنصر . { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } خرجوا لقتالهم { قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ } أصبب { عَلَيْنَا صَبْرًا } على القتال { وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا } بتقوية قلوبنا وإلقاء الرعب في صدور عدونا { وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أعنا عليهم { فَهَزَمُوهُم } أي طالوت والمؤمنون جـالوت وجنوده { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } بقضائه { وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ } كان بيشا أو داود في عسكر طالوت مع ستة من بنيه وكان داود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم ، فأوحى الله إلى نبيهم أن داود هو الذي يقتل جالوت فطلبه من أبيه فجاء وقد مر في طريقه بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها أن يحمله وقالت له : إنك تقتل بنا جالوت فحملها في مخلاته ورمى بها جالوت فقتله وزوجه طالوت بنته ، ثم حسده وأراد قتله ثم مات تائباً { وَآتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } في مشارق الأرض المقدسة ومغاربها ، وما اجتمعت بنو إسرائيل على ملك قط قبل داود { وَٱلْحِكْـمَةَ } والنبوة { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } من صنعة الدروع وكلام الطيور والدواب وغير ذلك . { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ } هو مفعول به { بَعْضُهُمْ } بدل من « الناس » « دفاع » : مدني مصدر دفع أو دافع { بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } أي ولولا أن الله تعالى يدفع بعض الناس ببعض ويكف بهم فسادهم لغلب المفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها من الحرث والنسل ، أو ولولا أن الله تعالى ينصر المسلمين على الكافرين لفسدت الأرض بغلبة الكفار وقتل الأبرار وتخريب البلاد وتعذيب العباد { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } بإزالة الفساد عنهم وهو دليل على المعتزلة في مسألة الأصلح { تِلْكَ } مبتدأ خبره { آيَاتُ ٱللَّهِ } يعني القصص التي اقتصها من حديث الألوف وإماتتهم وإحيائهم وتمليك طالوت وإظهاره على الجبابرة على يد صبي { نَتْلُوهَا } حال من آيات الله ، والعامل فيه معنى الإشارة ، أو آيات الله بدل من « تلك » « ونتلوها » الخبر . { عَلَيْكَ بِٱلْحَقّ } باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لأنه في كتبهم كذلك { وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } حيث تخبر بها من غير أن تعرف بقراءة كتاب أو سماع من أهله .