Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 283-286)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن كُنتُمْ } أيها المتداينون { عَلَىٰ سَفَرٍ } مسافرين { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَـٰنٌ } « فرهان » : مكي وأبو عمرو أي فالذي يستوثق به رهن وكلاهما جمع رهن كسقف وسقف وبغل وبغال ، ورهن في الأصل مصدر سمي به ثم كسر تكسير الأسماء . ولما كان السفر مظنة لأعواز الكتب والإشهاد ، أمر على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال من كان على سفر بأن يقيم التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتب والإشهاد لا أن السفر شرط تجويز الارتهان . وقوله { مَّقْبُوضَةٌ } يدل على اشتراط القبض لا كما زعم مالك أن الرهن يصح بالإيجاب والقبول بدون القبض { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا } فإن أمن بعض الدائنين بعض المديونين بحسن ظنه به فلم يتوثق بالكتابة والشهود والرهن { فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِى ٱؤْتُمِنَ أَمَـٰنَتَهُ } دينه . وائتمن افتعل من الأمن وهو حث للمديون على أن يكون عند ظن الدائن وأمنه منه وائتمانه له ، وأن يؤدي إليه الحق الذي ائتمنه عليه فلم يرتهن منه . وسمي الدين أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان منه { وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } في إنكار حقه { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ } هذا خطاب للشهود { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ } ارتفع « قلبه » بـ « آثم » على الفاعلية كأنه قيل : فإنه يأثم قلبه ، أو بالابتداء و « آثم » خبره مقدم والجملة خبر « إن » . وإنما أسند إلى القلب وحده والجملة هي الآثمة لا القلب وحده ، لأن كتمان الشهادة أن يضمرها في القلب ولا يتكلم بها ، فلما كان إثماً مقترفاً مكتسباً بالقلب أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ كما تقول « هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي » ، ولأن القلب رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله ، وإن فسدت فسد الجسد كله ، فكأنه قيل : فقد تمكن الإثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان منه ، ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ، ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب ، وإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أكبر الكبائر الإشراك بالله وشهادة الزور وكتمان الشهادة { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من كتمان الشهادة وإظهارها { عَلِيمٌ } لا يخفى عليه شيء . { للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } خلقاً وملكاً { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } يعني من السوء { يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ } يكافئكم ويجازيكم ولا تدخل الوساوس وحديث النفس فيما يخفيه الإنسان ، لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه ولكن ما اعتقده وعزم عليه ، والحاصل أن عزم الكفر كفر وخطرة الذنوب من غير عزم معفوة ، وعزم الذنوب إذا ندم عليه ورجع عنه واستغفر منه مغفور . فأما إذا هم بسيئة وهو ثابت على ذلك إلا أنه منع عنه بمانع ليس باختياره فإنه لا يعاقب على ذلك عقوبة فعله أي بالعزم على الزنا لا يعاقب عقوبة الزنا ، وهل يعاقب عقوبة عزم الزنا ؟ قيل : لا لقوله عليه السلام : " إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " والجمهور على أن الحديث في الخطرة دون العزم وأن المؤاخذة في العزم ثابتة وإليه مال الشيخ أبو منصور وشمس الأئمة الحلواني رحمهما الله ، والدليل عليه قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ } [ النور : 19 ] . الآية . وعن عائشة رضي الله عنها : ما هم العبد بالمعصية من غير عمل يعاقب على ذلك بما يلحقه من الهم والحزن في الدنيا . وفي أكثر التفاسير أنه لما نزلت هذه الآية جزعت الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : أنؤاخذ بكل ما حدثت به أنفسنا فنزل قوله « آمن الرسول » إلى قوله « لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت » فتعلق ذلك بالكسب دون العزم . وفي بعضها أنها نسخت بهذه الآية ، والمحققون على أن النسخ يكون في الأحكام لا في الأخبار { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } برفعهما : شامي وعاصم أي فهو يغفر ويعذب ، ويجزمهما : غيرهم عطفاً على جواب الشرط ، وبالإدغام : أبو عمرو ، وكذا في الإشارة والبشارة . وقال صاحب الكشاف : مدغم الراء في اللام لاحن مخطىء ، لأن الراء حرف مكرر فيصير بمنزلة المضاعف ، ولا يجوز إدغام المضاعف ، ورواية عن أبي عمر مخطىء مرتين لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس في العربية ما يؤذن بجهل عظيم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ } من المغفرة والتعذيب وغيرهما { قَدِيرٌ } قادر . { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } إن عطف « المؤمنون » على « الرسول » كان الضمير الذي التنوين نائب عنه في { كُلٌّ } راجعاً إلى « الرسول » « والمؤمنون » أي كلهم { ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } ووقف عليه ، وإن كان مبتدأ كان عليه « كل » مبتدأ ثانياً والتقدير كل منهم و « آمن » خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر الأول ، وكان الضمير للمؤمنين ووحد ضمير « كل » في « آمن » على معنى كل واحد منهم آمن . و « كتابه » : حمزة وعلي يعني القرآن أو الجنس { لاَ نُفَرِّقُ } أي يقولون لا نفرق بل نؤمن بالكل { بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } « أحد » في معنى الجمع ولذا دخل عليه « بين » وهو لا يدخل إلا على اسم يدل على أكثر من واحد . تقول المال بين القوم ولا تقول المال بين زيد . { وَقَالُواْ سَمِعْنَا } أجبنا قولك { وَأَطَعْنَا } أمرك { غُفْرَانَكَ } أي اغفر لنا غفرانك فهو منصوب بفعل مضمر { رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } المرجـع ، وفيه إقرار بالبعث والجزاء . والآية تدل على بطلان الاستثناء في الإيمان وعلى بقاء الإيمان لمرتكب الكبائر . { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا } محكي عنهم أو مستأنف { إِلاَّ وُسْعَهَا } إلا طاقتها وقدرتها لأن التكليف لا يرد إلا بفعل يقدر عليه المكلف ، كذا في شرح التأويلات . وقال صاحب الكشاف : الوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه أي لا يكلفها إلا ما يتسع فيه طوقه ويتيسر عليه دون مدى غاية الطاقة والمجهود ، فقد كان في طاقة الإنسان أن يصلي أكثر من الخمس ويصوم أكثر من الشهر ويحج أكثر من حجة { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } ينفعها ما كسبت من خير ويضرها ما اكتسبت من شر ، وخص الخير بالكسب والشر بالاكتساب لأن الافتعال للانكماش والنفس تنكمش في الشر وتتكلف للخير { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا } تركنا أمراً من أوامرك سهواً { أَوْ أَخْطَأْنَا } ودل هذا على جواز المؤاخذة في النسيان والخطأ خلافاً للمعتزلة لإمكان التحرز عنهما في الجملة ولولا جواز المؤاخذة بهما لم يكن للسؤال معنى { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا } عبأ يأصر حامله أي يحبسه مكانه لثقله استعير للتكليف الشاق من نحو قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وغير ذلك { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } كاليهود { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } من العقوبات النازلة بمن قبلنا { وَٱعْفُ عَنَّا } امح سيئاتنا { وَٱغْفِرْ لَنَا } واستر ذنوبنا وليس بتكرار فالأول للكبائر والثاني للصغائر { وَٱرْحَمْنَا } بتثقيل ميزاننا مع إفلاسنا ، والأول من المسخ والثاني من الخسف والثالث من الغرق { أَنتَ مَوْلَـٰنَا } سيدنا ونحن عبيدك أو ناصرنا أو متولي أمورنا { فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } فمن حق المولى أن ينصر عبيده في الحديث " من قرأ آمن الرسول إلى آخره في ليلة كفتاه " وفيه " من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل " ويجوز أن يقال : قرأت سورة البقرة أو قرأت البقرة لما روي عن علي رضي الله عنه : خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش . وقال بعضهم : يكره ذلك بل يقال قرأت السورة التي تذكر فيها البقرة ، والله أعلم .