Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 33-38)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ يَـاءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم } سمى كل شيء باسمه . { قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي أعلم ما غاب فيهما عنكم مما كان ومما يكون . { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } تظهرون . { وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } تسرون . { وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآِدَمَ } أي اخضعوا له وأقروا بالفضل له . عن أبي بن كعب ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كان ذلك انحناء ولم يكن خروراً على الذقن . والجمهور على أن المأمور به وضع الوجه على الأرض . وكان السجود تحية لآدم عليه السلام في الصحيح إذ لو كان لله تعالى لما امتنع عنه إبليس . وكان سجود التحية جائزاً فيما مضى ثم نسخ بقوله عليه السلام لسلمان حين أراد أن يسجد له " لا ينبغي لمخلوق أن يسجد لأحد إلا لله تعالى » " . { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } الاستثناء متصل لأنه كان من الملائكة كذا قاله علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم ، ولأن الأصل أن الاستثناء يكون من جنس المستثنى منه ، ولهذا قال : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } [ الأعراف : 12 ] ، وقوله : { كَانَ مِنَ ٱلْجِنّ } [ الكهف : 50 ] معناه صار من الجن كقوله { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } [ هود : 43 ] . وقيل : الاستثناء منقطع لأنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن بالنص وهو قول الحسن وقتادة ، ولأنه خلق من نار والملائكة خلقوا من النور ، ولأنه أبى وعصى واستكبر والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ولا يستكبرون عن عبادته . ولأنه قال : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي } [ الكهف : 50 ] ، ولا نسل للملائكة . وعن الجاحظ أن الجن والملائكة جنس واحد ، فمن طهر منهم فهو ملك ، ومن خبث فهو شيطان ، ومن كان بين بين فهو جن . { أَبَىٰ } امتنع مما أمر به { وَٱسْتَكْبَرَ } تكبر عنه . { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } وصار من الكافرين بإبائه واستكباره ورده الأمر لا بترك العمل بالأمر ، لأن ترك السجود لا يخرج من الإيمان ولا يكون كفراً عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة والخوارج ، أو كان من الكافرين في علم الله أي وكان في علم الله أنه يكفر بعد إيمانه لأنه كان كافراً أبداً في علم الله وهي مسألة الموافاة . { وَقُلْنَا يٰـئَادَمُ ٱسْكُنْ } أمر من سكن الدار يسكنها سكنى إذا أقام فيها ويقال سكن المتحرك سكوناً { أَنتَ } تأكيد للمستكن في « اسكن » ليصح عطف { وَزَوْجُكَ } عليه { ٱلْجَنَّةَ } هي جنة الخلد التي وعدت للمتقين للنقل المشهور واللام للتعريف . وقالت المعتزلة : كانت بستاناً باليمن لأن الجنة لا تكليف فيها ولا خروج عنها . قلنا : إنما لا يخرج منها من دخلها جزاء . وقد دخل النبي عليه السلام ليلة المعراج ثم خرج منها ، وأهل الجنة يكلفون المعرفة والتوحيد . { وَكُلاَ مِنْهَا } من ثمارها فحذف المضاف . { رَغَدًا } وصف للمصدر أي أكلاً رغداً واسعاً { حَيْثُ شِئْتُمَا } شئتما وبابه بغير همز : أبو عمرو . وحيث للمكان المبهم أي أيَّ مكان من الجنة شئتما { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } أي الحنطة . ولذا قيل : كيف لا يعصي الإنسان وقوته من شجرة العصيان ، أو الكرمة لأنها أصل كل فتنة ، أو التينة . { فَتَكُونَا } جزم عطف على « تقربا » أو نصب جواب للنهي . { مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } من الذين ظلموا أنفسهم أو من الضارين أنفسهم . { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ عَنْهَا } أي عن الشجرة ، أي فحملهما الشيطان على الزلة بسببها . وتحقيقه فأصدر الشيطان زلتهما عنها أو فأزلهما عن الجنة بمعنى أذهبهما عنها وأبعدهما . « فأزالهما » حمزة . وزلة آدم بالخطأ في التأويل إما بحمل النهي على التنزيه دون التحريم ، أو بحمل اللام على تعريف العهد وكأن الله تعالى أراد الجنس والأول الوجه . وهذا دليل على أنه يجوز إطلاق اسم الزلة على الأنبياء عليهم السلام كما قال مشايخ بخارى . فإنه اسم الفعل يقع على خلاف الأمر من غير قصد إلى الخلاف كزلة الماشي في الطين . وقال مشايخ سمرقند : لا يطلق اسم الزلة على أفعالهم كما لا تطلق المعصية . وإنما يقال فعلوا الفاضل وتركوا الأفضل فعوتبوا عليه . { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } من النعيم والكرامة ، أو من الجنة إن كان الضمير للشجرة في « عنها » . وقد توصل إلى إزلالهما بعدما قيل له { فاخرج منها فإنك رجيم } لأنه منع عن دخولها على جـهة التكرمة كدخول الملائكة لا عن دخولها على جهة الوسوسة ابتلاء لآدم وحواء . وروي أنه أراد الدخول فمنعته الخزنة فدخل في فم الحية حتى دخلت به . وقيل : قام عند الباب فنادى . { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ } الهبوط النزول إلى الأرض . والخطاب لآدم وحواء وإبليس وقيل والحية والصحيح لآدم وحواء . والمراد هما وذريتهما لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعبهم جعلا كأنهما الإنس كلهم ويدل عليه قوله تعالى : { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } [ طه : 123 ] { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } المراد به ما عليه الناس من التباغي والتعادي وتضليل بعضهم لبعض . والجملة في موضع الحال من الواو في « اهبطوا » أي اهبطوا متعادين . { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } موضع استقرار أو استقرار . { وَمَتَـٰعٌ } وتمتع بالعيش . { إِلَىٰ حِينٍ } إلى يوم القيامة أو إلى الموت . قال إبراهيم بن أدهم : أورثتنا تلك الأكلة حزناً طويلاً . { فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ } أي استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها . وبنصب « آدم » ورفع « كلمات » : مكي على أنها استقبلته بأن بلغته واتصلت به وهنا قوله تعالى : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] . وفيه موعظة لذريتهما حيث عرفوا كيفية السبيل إلى التنصل من الذنوب . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أحب الكلام إلى الله تعالى ما قاله أبونا آدم حين اقترف الخطيئة : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يا رب ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى . قال : يا رب ألم تنفخ فيَّ من روحك ؟ ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ ألم تسكنى جنتك ؟ وهو تعالى يقول : بلى بلى . قال : فلم أخرجتني من الجنة ؟ قال : بشؤم معصيتك . قال : فلو تبت أراجعي أنت إليها ؟ قال : نعم { فَتَابَ عَلَيْهِ } فرجع عليه بالرحمة والقبول . واكتفى بذكر توبة آدم لأن حواء كانت تبعاً له ، وقد طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك . { إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ } الكثير القبول للتوبة . { ٱلرَّحِيمُ } على عباده . { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا } حال أي مجتمعين . وكرر الأمر بالهبوط للتأكيد ، أو لأن الهبوط الأول من الجنة إلى السماء والثاني من السماء إلى الأرض ، أو لما نيط به من زيادة قوله . { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } أي رسول أبعثه إليكم ، أو كتاب أنزله عليكم بدليل قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } في مقابلة قوله { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ } أي بالقبول والإيمان به . { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } في المستقبل { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما خلفوا . والشرط الثاني مع جوابه جواب الشرط الأول كقولك « إن جـئتني فإن قدرت أحسنت إليك » . « فلا خوفَ » بالفتح في كل القرآن : يعقوب .