Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 68-72)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ سؤال عن حالها وصفتها لأنهم كانوا عالمين بماهيتها ، لأن « ما » وإن كانت سؤالاً عن الجنس ، و « كيف » عن الوصف ولكن قد تقع « ما » موقع « كيف » ، وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشان ، و « ما هي » خبر ومبتدأ . { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ } مسنة ، وسميت فارضاً لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها . وارتفع « فارض » لأنه صفة لـ « بقرة » ، وقوله : { وَلاَ بِكْرٌ } فتية عطف عليه . { عَوَانٌ } نصف . { بَيْنَ ذٰلِكَ } بين الفارض والبكر ، ولم يقل بين ذينك مع أن « بين » يقتضي شيئين فصاعداً لأنه أراد بين هذا المذكور ، وقد يجري الضمير مجرى اسم الإشارة في هذا ، قال أبو عبيدة : قلت لرؤبة في قوله : @ فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق @@ إن أردت الخطوط فقل كأنها . وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما ، فقال : أردت كأن ذاك . { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } أي تؤمرونه بمعنى تؤمرون به ، أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية للمفعول بالمصدر كضرب الأمير . { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } موضع « ما » رفع لأن معناه الاستفهام تقديره : ادع لنا ربك يبين لنا أي شيء لونها . { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه يقال في التوكيد أصفر فاقع ، وهو توكيد لصفراء وليس خبراً عن اللون إلا أنه ارتفع اللون به ارتفاع الفاعل ، ولا فرق بين قولك صفراء فاقعة وصفراء فاقع لونها ، وفي ذكر اللون فائدة التوكيد لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة فكأنه قيل شديدة الصفرة صفرتها فهو من قولك جـد جده { تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ } لحسنها . والسرور لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه . عن علي رضي الله عنه : من لبس نعلاً صفراء قل همه لقوله تعالى : « تسر الناظرين » ، { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ } تكرير للسؤال عن حالها وصفتها واستكشاف زائد ليزدادوا بياناً لوصفها ، وعن النبي عليه السلام " لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم " والاستقصاء شؤم { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا { وَإِنَّا إِن شَاءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } إلى البقرة المراد ذبحها أو إلى ما خفي علينا من أمر القاتل ، و « إن شاء الله » اعتراض بين اسم « إن » وخبرها . وفي الحديث " لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد " أي لو لم يقولوا إن شاء الله { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ } لا ذلول صفة لبقرة بمعنى بقرة غير ذلول ، يعني لم تذلل للكراب وإثارة الأرض { وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ } ولا هي من النواضح التي يسنى عليها لسقي الحروق ، و « لا » الأولى نافية والثانية مزيدة لتوكيد الأولى لأن المعنى لا ذلول تثير الأرض أي تقلبها للزراعة وتسقي الحرث على أن الفعلين صفتان لذلول كأنه قيل لا ذلول مثيرة وساقية { مُّسَلَّمَةٌ } عن العيوب وآثار العمل . { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } لا لمعة في نقبتها من لون آخر سوى الصفرة فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها ، وهي في الأصل مصدر وشاه وشياً وشية إذا خلط بلونه لون آخر . { قَالُواْ ٱلئَـٰنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } أي بحقيقة وصف البقرة وما بقي إشكال في أمرها ، « جئت » وبابه بغير همز : أبو عمرو { فَذَبَحُوهَا } فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها فذبحوها { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } لغلاء ثمنها أو خوف الفضيحة في ظهور القاتل ، روي أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له عجلة فأتى بها الغيضة وقال : اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر وكان براً بوالديه . فشبت البقرة وكانت من أحسن البقر وأسمنه ، فساوموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير ، وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة ، وهذا البيان من قبيل تقييد المطلق فكان نسخاً والنسخ قبل الفعل جائز وكذا قبل التمكن منه عندنا خلافاً للمعتزلة . { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا } بتقدير « واذكروا » ، خوطبت الجماعة لوجود القتل فيهم . { فَٱدرَأْتُمْ فِيهَا } فاختلفتم واختصمتم في شأنها لأن المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضاً أي يدفع ، أو تدافعتم بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض فيدفع المطروح عليه الطارح ، أو لأن الطرح في نفسه دفع ، وأصاله تدارأتم ثم أرادوا التخفيف فقلبوا التاء دالاً لتصير من جنس الدال التي هي فاء الكلمة ليمكن الإدغام ، ثم سكنوا الدال إذ شرط الإدغام أن يكون الأول ساكناً وزيدت همزة الوصل لأنه لا يمكن الابتداء بالساكن ، « فاداراتم » بغير همز : أبو عمر . { وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل لا يتركه مكتوماً ، وأعمل مخرج على حكاية ما كان مستقبلاً في وقت التدارؤ ، وهذه الجملة اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وهما ادارأتم .