Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 83-89)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ رَبّ هَبْ لِى حُكْماً } حكمة أو حكماً بين الناس بالحق أو نبوة لأن النبي عليه السلام ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله { وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } أي الأنبياء ولقد أجابه حيث قال { وَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } [ البقرة : 30 ] { وَٱجْعَل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلآخِرِينَ } أي ثناء حسناً وذكراً جميلاً في الأمم التي تجيء بعدي فأعطي ذلك فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه ، ووضع اللسان موضع القول لأن القول يكون به . { وَٱجْعَلْنِى مِن } يتعلق بمحذوف أي وارثاً من { وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } أي من الباقين فيها { وَٱغْفِرْ لأبِى } اجعله أهل المغفرة بإعطاء الإسلام وكان وعده الإسلام يوم فارقه { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّالّينَ } الكافرين { وَلاَ تُخْزِنِى } الإخزاء من الخزي وهو الهوان أو من الخزاية وهو الحياء وهذا نحو الاستغفار كما بينا { يَوْمِ يُبْعَثُونَ } الضمير فيه للعباد لأنه معلوم ، أو للضالين وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه أي ولا تخزني في يوم يبعث الضالون وأبي فيهم { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ } هو بدل من يوم الأول { وَلاَ بَنُونَ } أحداً { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } عن الكفر والنفاق وقلب الكافر والمنافق مريض لقوله تعالى : { فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } [ البقرة : 10 ] أي إن المال إذا صرف في وجوه البر وبنوه صالحون فإنه ينتفع به وبهم سليم القلب ، أو جعل المال والبنون في معنى الغني كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه . وقد جعل { من } مفعولاً لـ { ينفع } أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلاً سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله ، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع . ويجوز على هذا إلا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين . وقد صوب الجليل استثاء الخليل إكراماً له ثم جعله صفة له في قوله : { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرٰهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الصافات : 84 ] وما أحسن ما رتب عليه السلام كلامه مع المشركين حيث سألهم أولاً عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم ، ثم أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين فأخرجه من أن يكون شبهة فضلاً عن أن يكون حجة ، ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلّص منها إلى ذكر الله تعالى فعظم شأنه وعدد نعمته من حين إنشائه إلى وقت وفاته مع ما يرجّي في الآخرة من رحمته ، ثم أتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين وابتهل إليه ابتهال الأوابين ، ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمني الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا .