Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 10-20)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } لا تملها عن الحق بخلق الميل في القلوب { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } للعمل بالمحكم والتسليم للمتشابه { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } من عندك نعمة بالتوفيق والتثبيت { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } كثير الهبة ، والآية من مقول الراسخين ويحتمل الاستئناف أي قولوها وكذلك التي بعدها وهي { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ } أي تجمعهم لحساب يوم أو لجزاء يوم { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لا شك في وقوعه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } الموعد . والمعنى أن الإلهية تنافي خلف الميعاد كقولك « إن الجواد لا يخيب سائله » أي لا يخلف ما وعد المسلمين والكافرين من الثواب والعقاب . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } برسول الله { لَن تُغْنِيَ } تنفع أو تدفع { عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلـٰدُهُم مّنَ ٱللَّهِ } من عذابه { شَيْئاً } من الأشياء { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } حطبها { كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } الدأب مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فوضع موضع ما عليه الإنسان من شأنه وحاله . والكاف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء الكفرة في تكذيب الحق كدأب من قبلهم من آل فرعون وغيرهم ، أو منصوب المحل بـ « لن تغني أي لن تغني عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك . « كداب » بلا همز حيث كان : أبو عمرو . { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } تفسير لدأبهم مما فعلوا ، أو فعل بهم على أنه جواب سؤال مقدر عن حالهم ، ويجوز أن يكون حالاً أي قد كذبوا { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } بسبب ذنوبهم يقال أخذته بكذا أي جازيته عليه { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } شديد عقابه فالإضافة غير محضة { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } هم مشركو مكة { سَتُغْلَبُونَ } يوم بدر { وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ } من الجهنام وهي بئر عميقة . وبالياء فيهما : حمزة وعلي { وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } المستقر جهنم . { قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ } الخطاب لمشركي قريش { فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا } يوم بدر { فِئَةٌ تُقَـٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } وهم المؤمنون { وَأُخْرَىٰ } وفئة أخرى { كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ } يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين ألفين ، أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفاً وعشرين ، أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم . « ترونهم » نافع أي ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة ، أو مثلي أنفسهم . ولا يناقض هذا ما قال في سورة الأنفال { وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ } [ الأنفال : 44 ] لأنهم قللوا أولاً في أعينهم حتى اجترؤا عليهم ، فلما اجتمعوا كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } [ الرحمن : 39 ] . { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْؤولُونَ } [ الصافات : 24 ] . وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية . و « مثليهم » نصب على الحال لأنه من رؤية العين بدليل قوله { رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } يعني رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها { وَٱللَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ } كما أيد أهل بدر بتكثيرهم في أعين العدو { إِنَّ فِي ذَلِكَ } في تكثير القليل { لَعِبْرَةً } لعظة { لأُوْلِي ٱلأَبْصَـٰرِ } لذوي البصائر . { زُيِّنَ لِلنَّاسِ } المزين هو الله عند الجمهور للابتلاء كقوله : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ } [ الكهف : 7 ] . دليله قراءة مجاهد « زين للناس » على تسمية الفاعل . وعن الحسن : الشيطان { حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ } الشهوة توقان النفس إلى الشيء ، جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة ، أو كأنه أراد تخسيسها بتسميتها شهوات إذ الشهوة مسترذلة عند الحكماء ، مذموم من اتبعها ، شاهد على نفسه بالبهيمية { مِّنَ ٱلنِّسَاءِ } والإماء داخلة فيها { وَٱلْبَنِينَ } جمع ابن وقد يقع في غير هذا الموضع على الذكور والإناث ، وهنا أريد به الذكور فهم المشتهون في الطباع والمعدون للدفاع { وَٱلْقَنَـٰطِيرِ } جمع قنطار وهو المال الكثير . قيل : ملء مسك ثور أو مائة ألف دينار ، ولقد جاء الإسلام وبمكة مائة رجل قد قنطروا { ٱلْمُقَنطَرَةِ } المنضدة أو المدفونة { مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } سمي ذهباً لسرعة ذهابه بالإنفاق ، وفضة لأنها تتفرق بالإنفاق والفض التفريق { وَٱلْخَيْلِ } سميت به لاختيالها في مشيها { ٱلْمُسَوَّمَةِ } المعلمة من السومة وهي العلامة أو المرعية من أسام الدابة وسومها { وَٱلأَنْعَـٰمِ } هي الأزواج الثمانية { وَٱلْحَرْثِ } الزرع { ذٰلِكَ } المذكور { مَّتَاعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يتمتع به في الدنيا { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلْمَأَبِ } المرجـع . ثم زهدهم في الدنيا فقال { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذٰلِكُمْ } من الذي تقدم { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ عِندَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتٌ } كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من ذلكم ، فـ « جَنات » مبتدأ « لَلذين اتقوا » خبره { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } صفة لـ « جنات » ، ويجوز أن يتعلق اللام بـ « خير » واختص المتقين لأنهم هم المنتفعون به . ويرتفع « جنات » على هو جنات وتنصره قراءة من قرأ « جناتٍ » بالجر على البدل من « خير » { خَـٰالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوٰنٌ مّنَ ٱللَّهِ } أي رضا الله { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } عالم بأعمالهم فيجازيهم عليها أو بصير بالذين اتقوا وبأحوالهم فلذا أعد لهم الجنات . { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } نصب على المدح أو رفع أو جر صفة للمتقين أو للعباد { رَبَّنَا إِنَّنَا ءَامَنَّا } إجابة لدعوتك { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } إنجازاً لوعدك { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } بفضلك { ٱلصَّـٰبِرِينَ } على الطاعات والمصائب وهو نصب على المدح { وَٱلصَّـٰدِقِينَ } قولاً بإخبار الحق ، وفعلاً بإحكام العمل ، ونية بإمضاء العزم { وَٱلْقَـٰنِتِينَ } الداعين أو المطيعين { وَٱلْمُنـفِقِينَ } المتصدقين { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } المصلين أو طالبين المغفرة ، وخص الأسحار لأنه وقت إجابة الدعاء ، ولأنه وقت الخلوة . قال لقمان لابنه : يا بني لا يكن الديك أكيس منك ينادي بالأسحار وأنت نائم . والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها ، وللإشعار بأن كل صفة مستقلة بالمدح . { شَهِدَ ٱللَّهُ } أي حكم أو قال { أَنَّهُ } أي بأنه { لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ } بما عاينوا من عظيم قدرته { وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } أي الأنبياء والعلماء { قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ } مقيماً للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ويثيب ويعاقب ، وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم . وانتصابه على أنه حال مؤكدة من اسم الله تعالى أو من « هو » ، وإنما جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه ولو قلت « جاء زيد وعمرو راكباً » لم يجز لعدم الإلباس فإنك لو قلت « جـاءني زيد وهند راكبا » جاز لتميزه بالذكورة أو على المدح . وكرر { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } للتأكيد { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } رفع على الاستئناف أي هو العزيز وليس بوصف لـ « هو » لأن الضمير لا يوصف يعني أنه العزيز الذي لا يغالب ، الحكيم الذي لا يعدل عن الحق { إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } جملة مستأنفة . وقرىء أن الدين على البدل من قوله أنه لا إله إلا هو أي شهد الله أن الدين عند الله الإسلام . قال عليه السلام " من قرأ الآية عند منامه خلق الله تعالى منها سبعين ألف خلق يستغفرون له إلى يوم القيامة ، ومن قال بعدها : وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة يقول الله تعالى يوم القيامة : إن لعبدي عندي عهداً وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة " { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، واختلافهم أنهم تركوا الإسلام وهو التوحيد فثلثت النصارى وقالت اليهود عزير بن الله { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } أنه الحق الذي لا محيد عنه { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي ما كان ذلك الاختلاف إلا حسداً بينهم وطلباً منهم للرياسة وحظوظ الدنيا واستتباع كل فريق ناساً لا شبهة في الإسلام . وقيل : هو اختلافهم في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام حيث آمن به بعض وكفر به بعض . وقيل : هم النصارى واختلافهم في أمر عيسى بعد ما جاءهم العلم أنه عبد الله ورسوله { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } بحججه ودلائله { فَإِنَّ ٱللَّهِ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } سريع المجازاة { فَإنْ حَاجُّوكَ } فإن جادلوك في أن دين الله الإسلام والمراد بهم وفد بني نجران عند الجمهور { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } أي أخلصت نفسي وجملتي لله وحده لم أجعل فيها لغيره شريكاً بأن أعبده وأدعو إلهاً معه ، يعني أن ديني دين التوحيد وهو الدين القويم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي وما جئت بشيء بديع حتى تجادلوني فيه ونحوه : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَن لا نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } [ آل عمران : 64 ] . فهو دفع للمحاجة بأن ما هو عليه ومن معه من المؤمنين هو اليقين الذي لا شك فيه فما معنى المحاجة فيه ! { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } عطف على التاء في « أسلمت » أي أسلمت أنا ومن أتبعني وحسن للفاصل ، ويجوز أن يكون الواو بمعنى « مع » فيكون مفعولاً معه . « ومن اتبعني » في الحالين : سهل ويعقوب وافق أبو عمرو في الوصل . « وجهي » : مدني وشامي وحفص والأعشى والبرجمي . { وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } من اليهود والنصارى { وَٱلأُمِّيِّينَ } والذين لا كتاب لهم من مشركي العرب { ءَأَسْلَمْتُمْ } بهمزتين : كوفي ، يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يقتضي حصول الإسلام فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم ؟ وقيل : لفظه لفظ الاستفهام ومعناه الأمر أي أسلموا كقوله { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] أي انتهوا { فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } فقد أصابوا الرشد حيث خرجوا من الضلال إلى الهدى { وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ } أي لم يضروك فإنك رسول منبه ما عليك إلا أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الهدى { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } فيجازيهم على إسلامهم وكفرهم .