Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 1-9)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الم * ٱللَّهُ } حركت الميم لالتقاء الساكنين أعني سكونها وسكون لام « الله » وفتحت لخفة الفتحة ، ولم تكسر للياء وكسر الميم قبلها تحامياً عن توالي الكسرات ، وليس فتح الميم لسكونها وسكون ياء قبلها إذ لو كان كذلك لوجب فتحها في « حم » . ولا يصح أن يقال : إن فتح الميم هو فتحة همزة « الله » نقلت إلى الميم لأن تلك الهمزة همزة وصل تسقط في الدرج وتسقط معها حركتها ، ولو جاز نقل حركتها لجاز إثباتها وإثباتها غير جائز . وأسكن يزيد والأعشى الميم وقطعا الألف ، والباقون بوصل الألف وفتح الميم و « الله » مبتدأ { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } خبره وخبر « لا » مضمر والتقدير : لا إله في الوجود إلا هو ، « وهو » في موضع الرفع بدل من موضع « لا » ، واسمه { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } خبر مبتدأ محذوف أي هو الحي ، أو بدل من « هو » و « القيوم » فيعول من قام وهو القائم بالقسط والقائم على كل نفس بما كسبت { نَزَّلَ } أي هو نزل { عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } القرآن { بِٱلْحَقِّ } حال أي نزله حقاً ثابتاً { مُصَدِّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } لما قبله { وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ } هما اسمان أعجميان وتكلف اشتقاقهما من الورى والنجل ، ووزنهما بتفعلة وافعيل إنما يصح بعد كونهما عربيين . وإنما قيل « نزل الكتاب » و « أنزل التوراة والإنجيل » لأن القرآن نزل منجماً ونزل الكتابان جملة { مِن قَبْلُ } من قبل القرآن { هُدًى لّلنَّاسِ } لقوم موسى وعيسى أو لجميع الناس { وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } أي جنس الكتب لأن الكل يفرق بين الحق والباطل ، أو الزبور ، أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له تفخيماً لشأنه { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأيَـٰتِ ٱللَّهِ } من كتبه المنزلة وغيرها { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } ذو عقوبة شديدة لا يقدر على مثلها منتقم { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَاءِ } أي في العالم فعبر عنه بالسماء والأرض أي هو مطلع على كفر من كفر وإيمان من آمن وهو مجازيهم عليه { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } من الصور المختلفة { لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } في سلطانه { ٱلْحَكِيمُ } في تدبيره . روي أنه لما قدم وفد بني نجران وهم ستون راكباً . أميرهم العاقب وعمدتهم السيد وأسقفهم وحبرهم أبو حارثة خاصموا في أن عيسى إن لم يكن ولداً لله فمن أبوه ؟ فقال عليه السلام : " ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟ " قالوا : بلى . قال : " ألم تعلموا أن الله تعالى حي لا يموت وعيسى يموت ، وأن ربنا قيم على العباد يحفظهم ويرزقهم وعيسى لا يقدر على ذلك ، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وعيسى لا يعلم إلا ما علم ، وإنه صور عيسى في الرحم كيف شاء فحملته أمه ووضعته وأرضعته ، وكان يأكل ويحدث وربنا منزه عن ذلك كله " فانقطعوا فنزل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية . { هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } القرآن { مِنْهُ } من الكتاب { آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ } أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ } أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد إليها { وَأُخَّرُ } وآيات أخر { مُتَشَـٰبِهَـٰتٌ } مشتبهات محتملات . مثال ذلك { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [ طه : 5 ] فالاستواء يكون بمعنى الجلوس وبمعنى القدرة والاستيلاء ، ولا يجوز الأول على الله تعالى بدليل المحكم وهو قوله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } [ الشورى : 11 ] أو المحكم ما أمر الله به في كل كتاب أنزله نحو قوله : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 151 ] الآيات ، { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ } [ الأسراء : 23 ] . الآيات . والمتشابه ما وراءه أو ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً ، وما احتمل أوجهاً ، أو ما يعلم تأويله وما لا يعلم تأويله ، أو الناسخ الذي يعمل به والمنسوخ الذي لا يعمل به . وإنما لم يكن كل القرآن محكماً لما في المتشابه من الابتلاء به والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه ، ولما في تقادح العلماء وإتعابهم والقرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله تعالى . { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } ميل عن الحق وهم أهل البدع { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ } فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق { مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } طلب أن يفتتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } وطلب أن يؤولوه التأويل الذي يشتهونه { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } أي لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله { وَٱلراسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } والذين رسخوا أي ثبتوا فيه وتمكنوا وعضوا فيه بضرس قاطع مستأنف عند الجمهور ، والوقف عندهم على قوله « إلا الله » وفسروا المتشابه بما استأثر الله بعلمه ، وهو مبتدأ عندهم والخبر يقولون « آمنّا به » وهو ثناء منه تعالى عليهم بالإيمان على التسليم واعتقاد الحقية بلا تكييف ، وفائدة إنزال المتشابه الإيمان به ، واعتقاد حقية ما أراد الله به ، ومعرفة قصور أفهام البشر عن الوقوف على ما لم يجـعل لهم إليه سبيلاً ، ويعضده قراءة أبي « ويقول الراسخون » وعبد الله « إن تأويله إلا عند الله » . ومنهم من لا يقف عليه ويقول بأن الراسخين في العلم يعلمون المتشابه و « يقولون » كلام مستأنف موضح لحال الراسخين بمعنى هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون آمنا به أي بالمتشابه أو بالكتاب { كُلٌّ } من متشابهه ومحكمه { مِّنْ عِندِ رَبّنَا } من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه { وَمَا يَذَّكَّرُ } وما يتعظ وأصله يتذكر { إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } أصحاب العقول ، وهو مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمل . وقيل : « يقولون » حال من الراسخين .