Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 157-170)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ } متم وبابه بالكسر : نافع وكوفي غير عاصم ، تابعهم حفص إلا في هذه السورة كأنه أراد الوفاق بينه وبين قتلتم . غيرهم : بضم الميم في جميع القرآن ، فالضم من مات يموت ، والكسر من مات يمات كخاف يخاف فكما تقول خفت تقول مت { لَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } « ما » بمعنى « الذي » والعائد محذوف وبالياء : حفص { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ } لإلى الرحيم الواسع الرحمة المثيب العظيم الثواب تحشرون . ولوقوع اسم الله في هذا الموضع مع تقديمه وإدخال اللام على الحرف المتصل به شأن غني عن البرهان . « لمغفرة » جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط ، وكذلك « لالى الله تحشرون » كذب الكافرين أولاً في زعمهم أن من سافر من إخوانهم أو غزا لو كان بالمدينة لما مات ، ونهى المسلمين عن ذلك لأنه سبب التقاعد عن الجهاد ثم قال لهم : ولئن تم عليكم ما تخافونه من الهلاك بالموت أو القتل في سبيل الله فإن ما تنالونه من المغفرة والرحمة بالموت في سبيل الله خير مما تجمعون من الدنيا ، فإن الدنيا زاد المعاد فإذا وصل العبد إلى المراد لم يحتج إلى الزاد . { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } « ما » مزيدة للتوكيد والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله . ومعنى الرحمة ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً } جافياً { غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ } قاسيه { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم { فَٱعْفُ عَنْهُمْ } ما كان منهم يوم أحد مما يختص بك { وَٱسْتَغْفِرَ لَهُمُ } فيما يختص بحق الله إتماماً للشفقة عليهم { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَمْرِ } أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي تطييباً لنفوسهم وترويحاً لقلوبهم ورفعاً لأقدارهم ، ولتقتدي بك أمتك فيها . في الحديث " ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم " وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أحداً أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومعنى شاورت فلاناً أظهرت ما عندي وما عنده من الرأي . وشرت الدابة استخرجب جريها ، وشرت العسل أخذته من مآخذه ، وفيه دلالة جواز الاجتهاد وبيانا أن القياس حجة { فَإِذَا عَزَمْتَ } فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } في إمضاء أمرك على الأرشد لا على المشورة { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكّلِينَ } عليه والتوكل الاعتماد على الله والتفويض في الأمور إليه . وقال ذو النون : خلع الأرباب وقطع الأسباب { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ } كما نصركم يوم بدر { فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } فلا أحد يغلبكم وإنما يدرك نصر الله من تبرأ من حوله وقوته واعتصم بربه وقدرته { وَإِن يَخْذُلْكُمْ } كما خذلكم يوم أحد { فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ } من بعد خذلانه وهو ترك المعونة ، أو هو من قولك ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان تريد إذا جاوزته ، وهذا تنبيه على أن الأمر كله لله وعلى وجوب التوكل عليه { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه لعلمهم أنه لا ناصر سواه ، ولأن إيمانهم يقتضي ذلك . { وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ } مكي وأبو عمرو وحفص وعاصم أي يخون ، وبضم الياء وفتح الغين : غيرهم . يقال غلّ شيئاً من المغنم غلولاً وأغلّ إغلالاً إذا أخذه في خفية ، ويقال أغله إذا وجده غالاً ، والمعنى ما صح له ذلك يعني أن النبوة تنافي الغلول ، وكذا من قرأ على البناء للمفعول فهو راجع إلى هذا لأن معناه : وما صح له أن يوجد غالاً ولا يوجد غالاً إلا إذا كان غالاً . روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض المنافقين : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت الآية { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي يأت بالشيء الذي غله بعينه حاملاً له على ظهره كما جاء في الحديث " أو يأت بما احتمل من وباله وإثمه " { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } تعطي جزاءها وافياً ولم يقل « ثم يوفى ما كسب » ليتصل بقوله « ومن يغلل » بل جيء بعام ليدخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى وهو أبلغ ، لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيراً أو شراً مجزي فموفى جزاءه علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي جزاء كل على قدر كسبه { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } أي رضا الله قيل هم المهاجرون والأنصار { كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مّنَ ٱللَّهِ } وهم المنافقون والكفار { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } المرجع { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات أو ذوو درجات ، والمعنى تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين أو التفاوت بين الثواب والعاقب { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } عالم بأعمالهم ودرجاتها فيجازيهم على حسبها . { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ } . على من آمن مع رسول الله عليه السلام من قومه ، وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون بمبعثه { إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ } من جنسهم عربياً مثلهم أو من ولد إسماعيل كما أنهم من ولده ، والمنة في ذلك من حيث إنه إذا كان منهم كان اللسان واحد فيسهل أخذ ما يجب عليهم أخذه عنه ، وكانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة فكان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه ، وكان لهم شرف بكونه منهم . وفي قراءة رسول الله « من أنفسهم » أي من أشرفهم { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ } أي القرآن بعدما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي { وَيُزَكّيهِمْ } ويطهرهم بالإيمان من دنس الكفر والطغيان أو يأخذ منهم الزكاة { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } القرآن والسنة { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ } من قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم { لَفِى ضَلَـٰلٍ } عمى وجهالة { مُّبِينٍ } ظاهر لا شبهة فيه « إن » مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والتقدير : وإن الشأن والحديث كانوا من قبل في ضلال مبين . { أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } يريد ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم { قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا } يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين وهو في موضع رفع صفة لـ « مصيبة » { قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا } من أين هذا { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } لاختياركم الخروج من المدينة أو لترككم المركز . لما نصب بـ « قلتم » و « أصابتكم » في محل الجر بإضافة « لما » إليه وتقديره : أقلتم حين أصابتكم . « وأنى هذا » نصب لأنه مقول والهمزة للتقرير والتقريع ، وعطفت الواو هذه الجملة على ما مضى من قصة أحد من قوله : « ولقد صدقكم الله وعده » . أو على محذوف كأنه قيل : أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } يقدر على النصر وعلى منعه . وَمَا أَصَـٰبَكُمْ « ما » بمعنى « الذي » وهو مبتدأ { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } جمعكم وجمع المشركين بأحد والخبر { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } فكائن بأذن الله أي بعلمه وقضائه { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } وهو كائن ليتميز المؤمنون والمنافقون وليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء { وَقِيلَ لَهُمْ } للمنافقين وهو كلام مبتدأ { تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي جاهدوا للآخرة كما يقاتل المؤمنون { أَوِ ٱدْفَعُواْ } أي قاتلوا دفعاً على أنفسكم وأهليكم وأموالكم إن لم تقاتلوا للآخرة . وقيل : أو ادفعوا العدو بتكثيركم سواد المجاهدين إن لم تقاتلوا لأن كثرة السواد مما تروع العدو { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } أي لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً لاتبعناكم يعنون أن ما أنتم فيه لخطإ رأيكم ليس بشيء ، ولا يقال لمثله قتال إنما هو إلقاء النفس في التهلكة { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَـٰنِ } يعني أنهم كانوا يتظاهرون بالإيمان قبل ذلك وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم ، فلما انخذلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر ، أو هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان لأن تقليلهم سواد المؤمنين بالانخذال تقوية للمشركين { يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } أي يظهرون خلاف ما يضمرون من الإيمان وغيره والتقييد بالأفواه للتأكيد ونفي المجاز { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } من النفاق { ٱلَّذِينَ قَالُواْ } أي ابن أبيّ وأصحابه وهو في موضع رفع على « هم الذين قالوا » أو على الإبدال من واو « يكتمون » أو نصب بإضمار « أعني » ، أو على البدل من « الذين نافقوا » أو جر على البدل من الضمير « في أفواههم » أو « قلوبهم » { لإِخْوٰنِهِمْ } لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد { وَقَعَدُواْ } أي قالوا وقد قعدوا عن القتال { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } لو أطاعنا إخواننا فيما أمرناهم به من الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل { قُلْ فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } بأن الحذر ينفع من القدر فخذوا حذركم من الموت ، أو معناه قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلاً وهو القعود عن القتال فجدوا إلى دفع الموت سبيلاً . وروي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقاً . ونزل في قتلى أحد { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } شامي وحمزة وعلي وعاصم ، وبكسر السين غيرهم : والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد { ٱلَّذِينَ قَتَلُواْ } « قتلوا » : شامي { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاء } بل هم أحياء { عِندَ رَبّهِمْ } مقربون عنده ذوو زلفى { يُرْزَقُونَ } مثل ما يرزق سائر الأحياء يأكلون ويشربون ، وهو تأكيد لكونهم أحياء ووصف لحالهم التي هم عليها من التنعم برزق الله « فرحين » حال من الضمير في « يرزقون » { بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } وهو التوفيق في الشهادة وما ساق إليهم من الكرامة والتفضيل على غيرهم من كونهم أحياء مقربين معجلاً لهم رزق الجنة ونعيمها . وقال النبي عليه السلام " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش " وقيل : هذا الرزق في الجنة يوم القيامة وهو ضعيف لأنه لا يبقى للتخصيص فائدة { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ } بإخوانهم المجاهدين الذين { لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم } لم يقتلوا فيلحقوا بهم { مّنْ خَلْفِهِمْ } يريد الذين من خلفهم قد بقوا من بعدهم وهم قد تقدموهم أو لم يلحقوا بهم لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } بدل من « الذين » والمعنى : ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين وهو أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة ، بشرهم الله بذلك فهم مستبشرون به . وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم ، بعثٌ للباقين بعدهم على الجد في الجهاد والرغبة في نيل منازل الشهداء { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } .