Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 171-180)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ } يسرون بما أنعم الله عليهم وما تفضل عليهم من زيادة الكرامة { وَأَنَّ ٱللَّهَ } عطف على النعمة والفضل . « وإن الله » : عليٌّ بالكسر على الاستئناف وعلى أن الجملة اعتراض { لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بل يوفر عليهم . { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } مبتدأ خبره « للذين أحسنوا » ، أو صفة للمؤمنين ، أو نصب على المدح { مِن بَعْدِ مَا أَصَـٰبَهُمُ ٱلْقَرْحُ } الجرح . روي أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة ، فندب النبيّ أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان ، فخرج يوم الأحد من المدينة مع سبعين رجلاً حتى بلغوا حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال ، وكان بأصحابه القرح فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ } « من » للتبيين . مثلها في قوله : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً } [ الفتح : 29 ] . لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم { أَجْرٌ عَظِيمٌ } في الآخرة . { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } بدل من الذين استجابوا { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } روي أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد : يا محمد موعدنا موسم بدر القابل . فقال عليه السلام " إن شاء الله " فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمراً فقال : يا نعيم إني واعدت محمداً أن نلتقي بموسم بدر وقد بدا لي أن أرجـع فالحق بالمدينة ، فثبطهم ولك عندي عشرة من الإبل ، فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم : أتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم فوالله لا يفلت منكم أحد فقال عليه السلام " والله لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد " فخرج في سبعين راكباً وهم يقولون « حسبنا الله ونعم الوكيل » حتى وافوا بدراً وأقاموا بها ثماني ليال وكانت معهم تجارة فباعوها وأصابوا خيراً ، ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين ولم يكن قتال ، ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق وقالوا : إنما خرجتم لتأكلوا السويق . فالناس الأول نعيم وهو جمع أريد به الواحد أو كان له أتباع يثبطون مثل تثبيطه ، والثاني أبو سفيان وأصحابه . { فَٱخْشَوْهُمْ } فخافوهم { فَزَادَهُمُ } أي المقول الذي هو « إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم » أو القول ، أو نعيم { إِيمَـٰناً } بصيرة وإيقاناً { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } كافينا الله أي الذي يكفينا الله . يقال أحسبه الشيء إذا كفاه وهو بمعنى المحسب بدليل أنك تقول « هذا رجل حسبك » فتصف به النكرة لأن إضافته غير حقيقية لكونه في معنى اسم الفاعل { وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } ونعم الموكول إليه هو { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } وهي السلامة وحذر العدو منهم { وَفَضْلٍ } وهو الربح في التجارة فأصابوا بالدرهم درهمين { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } لم يلقوا ما يسوءهم من كيد عدو وهو حال من الضمير في « انقلبوا » ، وكذا « بنعمة » والتقدير : فرجعوا من بدر منعمين بريئين من سوء { وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } بجرأتهم وخروجهم إلى وجه العدو على أثر تثبيطه وهو معطوف على « انقلبوا » { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا . { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } هو خبر « ذلكم » أي إنما ذلك المثبط هو الشيطان وهو نعيم { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أي المنافقين وهو جملة مستأنفة بيان لشيطنته ، أو الشيطان صفة لاسم الإشارة و « يخوف » الخبر { فَلاَ تَخَافُوهُمْ } أي أولياءه { وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } لأن الإيمان يقتضي أن يؤثر العبد خوف الله على خوف غيره . و « خافوني » في الوصل والوقف : سهل ويعقوب ، وافقهما أبو عمرو في الوصل . { وَلاَ يَحْزُنكَ } « يحزنك » في كل القرآن : نافع إلا في سورة الأنبياء { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [ الأنبياء : 103 ] { ٱلَّذِينَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } يعني لا يحزنوك لخوف أن يضروك ألا ترى إلى قوله { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } أي أولياء الله يعني أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم وما وبال ذلك عائداً على غيرهم . ثم بين كيف يعود وباله عليهم بقوله { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِى ٱلآخِرَةِ } أي نصيباً من الثواب { وَلَهُمْ } بدل الثواب { عَذَابٌ عظِيمٌ } وذلك أبلغ ما ضر به الإنسان نفسه ، والآية تدل على إرادة الكفر والمعاصي لأن إرادته أن لا يكون لهم ثواب في الآخرة لا تكون بدون إرادة كفرهم ومعاصيهم . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإيمَـٰنِ } أي استبدلوه به { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } هو نصب على المصدر أي شيئاً من الضرر . الآية الأولى فيمن نافق من المتخلفين أو ارتد عن الإسلام ، والثانية في جميع الكفار أو على العكس { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ } وثلاثة بعدها مع ضم الباء في « يحسبنهم » بالياء : مكي وأبو عمرو ، وكلها بالتاء : حمزة ، وكلها بالياء : مدني وشامي إلا « فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ » فإنها بالتاء . الباقون : الأوليان بالياء والأخريان بالتاء . { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فيمن قرأ بالياء رفع أي ولا يحسبن الكافرون . و « أن » مع اسمه وخبره في قوله { أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأَِنفُسِهِمْ } في موضع المفعولين لـ « يحسبن » والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا إملاءنا خيراً لأنفسهم . و « ما » مصدرية وكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا يخالف . وفيمن قرأ بالتاء نصب أي ولا تحسبن الكافرين وأنما نملي لهم خير لأنفسهم بدل من الكافرين ، أي ولا تحسبن أن ما نملي للكافرين خير لهم ، و « أن » مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين ، والإملاء لهم إمهمالهم وإطالة عمرهم . { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } « ما » هذه حقها أن تكتب متصلة لأنها كافة دون الأولى ، وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها كأنه قيل : ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيراً لهم ؟ فقيل : إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً . والآية حجة لنا على المعتزلة في مسألتي الأصلح وإرادة المعاصي { وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } . اللام في { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } من اختلاط المؤمنين الخلص والمنافقين لتأكيد النفي { حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } حتى يعزل المنافق عن المخلص . « يميز » : حمزة وعلي . والخطاب في « أنتم » للمصدقين من أهل الإخلاص والنفاق كأنه قيل : ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها من اختلاط بعضكم ببعض حتى يميزهم منكم بالوحي إلى نبيه وإخباره بأحوالكم { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } وما كان الله ليؤتي أحد منكم علم الغيوب فلا تتوهموا عند إخبار الرسل بنفاق الرجل وإخلاص الآخر أنه يطلع على ما في القلوب إطلاع الله فيخبر عن كفرها وإيمانها { وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء } أي ولكن الله يرسل الرسول فيوحي إليه ويخبره بأن في الغيب كذا وأن فلاناً في قلبه النفاق وفلاناً في قلبه الإخلاص ، فيعلم ذلك من جهة إخبار الله لا من جهة نفسه . والآية حجة على الباطنية فإنهم يدعون ذلك العلم لإمامهم فإن لم يثبتوا النبوة له صاروا مخالفين للنص حيث أثبتوا علم الغيب لغير الرسول ، وإن أثبتوا النبوة له صاروا مخالفين لنص آخر وهو قوله { وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيّينَ } [ الأحزاب : 40 ] { فَـئَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } بصفة الإخلاص { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ } النفاق { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } في الآخرة . ونزل في مانعي الزكاة { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ } من قرأ بالتاء قدر مضافاً محذوفاً أي ولا تحسبن بخل الباخلين و « هو » فصل و « خيراً لهم » مفعول ثانٍ ، وكذا من قرأ بالياء وجعل فاعل « يحسبن » ضمير رسول الله أو ضمير أحد ، ومن جعل فاعله « الذين يبخلون » كان التقدير : ولا يحسبن الذين يبخلون بخلهم هو خير لهم و « هو » فصل و « خيراً لهم » مفعول ثانٍ { بَلْ هُوَ } أي البخل { شَرٌّ لَّهُمْ } لأن أموالهم ستزول عنهم ويبقى عليهم وبال البخل { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } تفسير لقوله « بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ » أي سيجعل مالهم الذي منعوه عن الحق طوقاً في أعناقهم كما جاء في الحديث " من منع زكاة ماله يصير حية ذكراً أقرع له نابان فيطوق في عنقه فينهشه ويدفعه إلى النار " { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } وله ما فيهما مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره ، فما لهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيل الله ؟ والأصل في ميراث موراث فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } وبالياء مكي وأبو عمرو ، فالتاء على طريقة الالتفات وهو أبلغ في الوعيد ، والياء على الظاهر .