Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 70-82)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَـٰتِ ٱللَّهِ } بالتوراة والإنجيل ، وكفرهم بها أنهم لا يؤمنون بما نطقت به من صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها { وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } تعترفون بأنها آيات الله أو تكفرون بالقرآن ودلائل نبوة الرسول وأنتم تشهدون نعته في الكتابين ، أو تكفرون بآيات الله جميعاً وأنتم تعلمون أنها حق { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ } تخلطون الإيمان بموسى وعيسى بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } نعت محمد عليه السلام { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه حق { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } فيم بينهم { ءامِنُواْ بٱلَّذِى أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أي القرآن { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } ظرف أي أوله يعني أظهروا الإيمان بما أنزل على المسلمين في أول النهار { وَٱكْفُرُواْ ءاخِرَهُ } واكفروا به آخره { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لعل المسلمين يقولون ما رجعوا وهم أهل كتاب وعلم إلا لأمر قد تبين لهم فيرجـعون برجـوعكم . { وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } « ولا تؤمنوا » متعلق بقوله { أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم } وما بينهما اعتراض أي ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم ، أرادوا أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتاً ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ } عطف على « أن يؤتى » والضمير في « يحاجوكم » لأحد لأنه في معنى الجمع بمعنى ولا تؤمنوا لغير اتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله بالحجة . ومعنى الاعتراض أن الهدى هدى الله من شاء هداه حتى أسلم أو ثبت على الإسلام كان ذلك ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين ، وكذلك قوله { قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } يريد الهداية والتوفيق ، أو يتم الكلام عند قوله « إلا لمن تبع دينكم » أي ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر وهو إيمانهم وجه النهار إلا لمن تبع دينكم إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم ، لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم . ومعنى قوله « أن يؤتى » لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه لا لشيء آخر يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يأتي أحد مثل ما أوتيتم من العلم ، والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم ، ويدل عليه قراءة ابن كثير « آن » بالمد والاستفهام يعني الآن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب تحسدونهم . وقوله « أو يحاجوكم » على هذا معناه دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أو لما يتصل به عند كفركم به من محاجتهم لكم عند ربكم { وَٱللَّهُ وٰسِعٌ } أي واسع الرحمة { عَلِيمٌ } بالمصلحة { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ } بالنبوة أو بالإسلام { مَن يَشَاء وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ * وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ } هو عبد الله بن سلام ، استودعه رجل من قريش ألفاً ومائتي أوقية ذهباً فأداه إليه { وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } هو فنحاص بن عازوراء ، استودعه رجل من قريش ديناراً فجحده وخانه . وقال : المأمونون على الكثير النصارى لغلبة الأمانة عليهم ، والخائنون في القليل اليهود لغلبة الخيانة عليهم { إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } إلا مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائماً على رأسه ملازماً له . « يؤده » و « لا يؤده » بكسر الهاء مشبعة : مكي وشامي ونافع وعلي وحفص ، واختلس أبو عمرو في رواية . غيرهم : بسكون الهاء . { ذٰلِكَ } إشارة إلى ترك الأداء الذي دل عليه « لا يؤده » { بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } أي تركهم أداء الحقوق بسبب قولهم « ليس علينا من الأميين سبيل » أي لا يتطرق علينا إثم وذم في شأن الأميين يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب ، وما فعلنا بهم من حبس أموالهم والإضرار بهم لأنهم ليسوا على ديننا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم وكانوا يقولون لم يجـعل لهم في كتابنا حرمة . وقيل : بايع اليهود رجالاً من قريش ، فلما أسلموا تقاضوهم فقالوا : ليس لكم علينا حق حيث تركتم دينكم وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } بادعائهم أن ذلك في كتابهم { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون { بَلَىٰ } إثبات لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين أي بلى عليهم سبيل فيهم . وقوله { مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَٱتَّقَى } جملة مسأنفة مقررة للجملة التي سدت « بلى » مسدها ، والضمير في « بعده » يرجع إلى الله تعالى أي كل من أوفى بعهد الله واتقاه { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي يحبهم فوضع الظاهر موضع الضمير وعموم المتقين قام مقام الضمير الراجع من الجزاء إلى « من » ويدخل في ذلك الإيمان وغيره من الصالحات وما وجب اتقاؤه من الكفر وأعمال السوء . قيل : نزلت في عبد الله بن سلام ونحوه من مسلمي أهل الكتاب ، ويجوز أن يرجع الضمير إلى « من أوفى » أي كل من أوفى بما عاهد الله عليه واتقى الله في ترك الخيانة والغدر فإن الله يحبه . ونزل فيمن حرّف التوراة وبدل نعته عليه السلام من اليهود وأخذ الرشوة على ذلك { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ } يستبدلون { بِعَهْدِ ٱللَّهِ } بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم { وَأَيْمَـٰنِهِمْ } وبما حلفوا به من قولهم « والله لنؤمنن به ولننصرنه » { ثَمَناً قَلِيلاً } متاع الدنيا من الترؤس والارتشاء ونحو ذلك ، وقوله « بعهد الله » يقوي رجوع الضمير في « بعهده » إلى الله { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ } أي لا نصيب { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ } بما يسرهم { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } نظر رحمة { وَلاَ يُزَكّيهِمْ } ولا يثني عليهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } مؤلم . { وَإِنَّ مِنْهُمْ } من أهل الكتاب { لَفَرِيقًا } هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن أخطب وغيرهم { يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَـٰبِ } يفتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف ، واللّيُ الفتل وهو الصرف والمراد تحريفهم كآبة الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك . والضمير في { لِتَحْسَبُوهُ } يرجع إلى ما دل عليه « يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَـٰبِ » وهو المحرف ، ويجوز أن يراد يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه { مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي التوراة { وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَـٰبِ } وليس هو من التوراة { وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ } تأكيد لقوله « وما هو من الكتاب » وزيادة تشنيع عليهم { وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَـٰبَ } تكذيب لمن اعتقد عبادة عيسى عليه السلام . وقيل : قال رجل : يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك ؟ قال : " لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله " { وَٱلْحُكْمَ } والحكمة وهي السنة أو فصل القضاء { وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ } عطف على « يؤتيه » { لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لّى مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيّينَ } ولكن يقول : كونوا ربانيين . والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو شديد التمسك بدين الله وطاعته . وحين مات ابن عباس قال ابن الحنفية : مات رباني هذه الأمة . وعن الحسن : ربانيين علماء فقهاء . وقيل : علماء معلمين . وقالوا : الرباني العالم العامل { بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } كوفي وشامي أي غيركم غيرهم بالتخفيف { وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } أي تقرأون ، والمعنى بسبب كونكم عالمين وبسبب كونكم دارسين للعلم كانت الربانية التي هي قوة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والدراسة ، وكفى به دليلاً على خيبة سعي من جهد نفسه وكد روحه في جمع العلم ثم لم يجـعله ذريعة إلى العمل ، فكان كمن غرس شجرة حسناء تؤنقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها . وقيل : معنى « تدرسون » تدرسونه على الناس كقوله { لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ الإسراء : 106 ] فيكون معناه معنى تدرسون من التدريس كقراءة ابن جبير . { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ } بالنصب عطفاً على « ثم يقول » ووجهه أن تجعل « لا » مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله « ما كان لبشر » والمعنى ما كان لبشر أن يستنبئه الله وينصبه للدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له ويأمركم { أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَٱلنَّبِيّيْنَ أَرْبَابًا } كما تقول « ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي » وبالرفع حجازي وأبو عمرو وعليّ على ابتداء الكلام ، والهمزة في { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ } للإنكار والضمير في « لا يأمركم » و « أيأمركم » للبشر أو لله . وقوله { بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } يدل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوه أن يسجدوا له . { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيّيْنَ } هو على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك ، أو المراد ميثاق الأولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف . واللام في { لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ } لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف ، وفي « لتؤمنن » لام جواب القسم ، وما يجوز أن تكون متضمنة لمعنى الشرط و « لتؤمنن » ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً ، وأن تكون موصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به { ثُمَّ جَاءكُمْ } معطوف على الصلة والعائد منه إلى ما محذوف والتقدير ثم جاءكم به { رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لّمَا مَعَكُمْ } للكتاب الذي معكم { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ } بالرسول { وَلَتَنصُرُنَّهُ } أي الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم « لما آتيتكم » حمزة و « ما » بمعنى الذي ، أو مصدرية أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم . واللام للتعليل أي أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه لأجل أني آتيتكم الحكمة ، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف . « آتيناكم » : مدني { قَالَ } أي الله { أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى } أي قبلتم عهدي ، وسمي إصراً لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد { قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ } فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار { وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } وأنا معكم على ذلك من إقراركم وتشاهدكم من الشاهدين ، وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرجوع إذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض . وقيل : قال الله للملائكة اشهدوا { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } الميثاق والتوكيد ونقض العهد بعد قبوله وأعرض عن الإيمان بالنبيّ الجائي { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } المتمردون من الكفار .