Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 58-69)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ { نَتْلُوهُ عَلَيْكَ } خبره { مِنَ ٱلأَيَـٰتِ } خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف { وَٱلذّكْرِ الحكيم } القرآن يعني المحكم ، أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه . ونزل لما قال وفد بني نجران هل رأيت ولداً بلا أب . { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ } أي إن شأن عيسى وحاله الغريبة كشأن آدم عليه السلام { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } قدره جسداً من طين وهي جملة مفسرة لحالة شبه عيسى بآدم ولا موضع لها أي خلق آدم من تراب ولم يكن ثمة أب ولا أم ، فكذلك حال عيسى مع أن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود من غير أب ، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه ، وعن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم : لم تعبدون عيسى ؟ قالوا : لأنه لا أب له قال : فآدم أولى لأنه لا أبوين له . قالوا : كان يحيـي الموتى . قال : فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وحزقيل ثمانية آلاف . فقالوا : كان يبرىء الأكمه والأبرص . قال : فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالماً { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن } أي أنشأه بشراً { فَيَكُونُ } أي فكان وهو حكاية حال ماضية ، و « ثم » لترتيب الخبر على الخبر لا لترتيب المخبر عنه { ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق { فَلاَ تَكُن } أيها السامع { مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } الشاكين . ويحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون من باب التهييج لزيادة الثبات لأنه عليه السلام معصوم من الامتراء { فَمَنْ حَاجَّكَ } من النصارى { فِيهِ } في عيسى { مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } من البينات الموجبة للعلم و « ما » بمعنى « الذي » { فَقُلْ تَعَالَوْاْ } هلموا والمراد المجيء بالعزم والرأي كما تقول : تعالى نفكر في هذه المسألة { نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ } أي يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة { ثُمَّ نَبْتَهِلْ } ثم نتباهل بأن نقول « بهلة الله على الكاذب منا ومنكم » . والبهلة بالفتح والضم اللعنة ، وبهله الله لعنه وأبعده من رحمته ، وأصل الابتهال هذا ثم يستعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعاناً . روي أنه عليه السلام لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى ننظر . فقال العاقب . وكان ذا رأيهم - والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل وما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن ، فإن أبيتم إلا ألف دينكم فودعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول : " إذا أنا دعوت فأمنوا " فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك فصالحهم النبي على ألفي حلة كل سنة فقال عليه السلام " والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير " وإنما ضم الأبناء والنساء وإن كانت المباهلة مختصة به وبمن يكاذبه لأن ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته إن تمت المباهلة . وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على قرب مكانهم ومنزلتهم ، وفيه دليل واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يرو أحد من موافق أو مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك { فَنَجْعَل لَّعْنَتُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَـٰذِبِينَ } منا ومنكم في شأن عيسى ونبتهل ونجعل معطوفان على « ندع » . { إِنَّ هَذَا } الذي قص عليك من نبأ عيسى { لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } هو فصل بين اسم « إن » وخبرها ، أو مبتدأ و « القصص الحق » خبره ، والجملة خبر « إن » وجاز دخول اللام على الفصل لأنه إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل أجوز لأنه أقرب إلى المبتدأ منه ، وأصلها أن تدخل على المبتدأ . و « من » في { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } بمنزلة البناء على الفتح في « لا إله إلا الله » في إفادة معنى الاستغراق ، والمراد الرد على النصارى في تثليثهم { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } في الانتقام { ٱلْحَكِيمُ } في تدبير الأحكام { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أعرضوا ولم يقبلوا { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } وعيد لهم بالعذاب المذكور في قوله : { زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } [ النحل : 88 ] . { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } هم أهل الكتابين أو وفد نجران أو يهود المدينة { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء } أي مستوية { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل . وتفسير الكلمة قوله { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ } يعني تعالوا إليها حتى لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ، لأن كل واحد منهما بعضنا بشر مثلنا ، ولا نطيع أحبارنا فميا أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع الله . وعن عدي بن حاتم : ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال " أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم " قال : نعم . قال : " هو ذاك " { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن التوحيد { فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع : اعترف بأني أنا الغالب وسلم إليّ الغلبة . { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرٰهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإْنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } زعم كل فريق من اليهود والنصارى أن إبراهيم كان منهم وجادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فيه فقيل لهم : إن اليهودية إنما حدثت بعد نزول التوراة والنصرانية بعد نزول الإنجيل وبين إبراهيم وموسى ألف سنة وبينه وبين عيسى ألفان ، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة متطاولة . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال . { هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء } « ها » للتنبيه و « أنتم » مبتدأ و « هؤلاء » خبره { حَـٰجَجْتُمْ } جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى . وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم { فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ } مما نطق به التوراة والإنجيل { فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم . وقيل : هؤلاء بمعنى « الذين » و « حاججتم » صلته . « ها أنتم » بالمد وغير الهمز حيث كان : مدني وأبو عمرو . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } علم ما حاججتم فيه { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وأنتم جاهلون به . ثم أعلمهم بأنه بريء من دينهم فقال { مَا كَانَ إِبْرٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } كأنه أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيراً والمسيح ، أو ما كان من المشركين كما لم يكن منهم { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرٰهِيمَ } إن أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب { لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } في زمانه وبعده { وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ } خصوصاً خص بالذكر لخصوصيته بالفضل والمراد محمد عليه السلام { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } من أمته { وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ناصرهم . { وَدَّت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } هم اليهود دعوا حذيفة وعماراً ومعاذاً إلى اليهود { وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ } وما يعود وبال الإضلال إلا عليهم لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم { وَمَا يَشْعُرُونَ } بذلك .