Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 47-54)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ } على إنذاري وتبليغي الرسالة { فَهُوَ لَكُمْ } جزاء الشرط تقديره أي شيء سألتكم من أجر كقوله : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } [ فاطر : 2 ] ومعناه نفي مسألة الأجر رأساً نحو مالي في هذا فهو لك أي ليس فيه شيء { إِنْ أَجْرِىَ } مدني وشامي وأبو بكر وحفص ، وبسكون الياء : غيرهم { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٍ } فيعلم أني لا أطلب الأجر على نصحيتكم ودعائكم إليه إلا منه . { قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ } بالوحي . والقذف توجيه السهم ونحوه بدفع واعتماد ويستعار لمعنى الإلقاء ومنه { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } [ الأحزاب : 26 ] { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ } [ طه : 39 ] ومعنى يقذف بالحق يلقيه وينزله إلى أنبيائه أو يرمي به الباطل فيدمغه ويزهقه { عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } مرفوع على البدل من الضمير في { يَقْذِفُ } أو على أنه خبر مبتدأ محذوف { قُلْ جَاء ٱلْحَقُّ } الإسلام والقرآن { وَمَا يُبْدِىء ٱلْبَـٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ } أي زال الباطل وهلك لأن الإبداء والإعادة من صفات الحي فعدمهما عبارة عن الهلاك ، والمعنى جاء الحق وزهق الباطل كقوله { جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ } [ الإسراء : 81 ] وعن ابن مسعود رضي الله عنه : دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة أصنام فجعل يطعنها بعود معه ويقول " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ، جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد " وقيل : الباطل الأصنام . وقيل : إبليس لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك أي لا يخلق الشيطان ولا الصنم أحداً ولا يبعثه فالمنشيء والباعث هو الله . ولما قالوا : قد ضللت بترك دين آبائك قال الله تعالى { قُلْ إِن ضَلَلْتُ } عن الحق { فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى } إن ضللت فمني وعليّ { وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبّى } أي فتبسديده بالوحي إلي . وكان قياس التقابل أن يقال وإن اهتديت فإنما أهتدي لها كقوله : { فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } [ الزمر : 41 ] . ولكن هما متقابلان معنى ، لأن النفس كل ما عليها وضار لها فهو بها وبسببها لأنها الأمارة بالسوء ، وما لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه ، وهذا حكم عام لكل مكلف ، وإنما أمر رسوله أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلالة محله وسداد طريقته كان غيره أولى به { إِنَّهُ سَمِيعٌ } لما أقوله لكم { قَرِيبٌ } مني ومنكم يجازيني ويجازيكم . { وَلَوْ تَرَى } جوابه محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً وحالاً هائلة { إِذْ فَزِعُواْ } عند البعث أو عند الموت أو يوم بدر { فَلاَ فَوْتَ } فلا مهرب أو فلا يفوتون الله ولا يسبونه { وَأُخِذُواْ } عطف على { فَزِعُواْ } أي فزعوا وأخذوا فلا فوت لهم أو على لا فوت على معنى إذ فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } من الموقف إلى النار إذا بعثوا أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا أو من صحراء بدر إلى القليب { وَقَالُواْ } حين عاينوا العذاب { آمَنَّا بِهِ } بمحمد عليه السلام لمرور ذكره في قوله { مَا بِصَـٰحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ } [ سبأ : 46 ] أو بالله { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } التناوش : التناول أي كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم ، يريد أن التوبة كانت تقبل منهم في الدنيا وقد ذهبت الدنيا وبعدت من الآخرة . وقيل : هذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما نفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا ، مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة كما يتناول الآخر من قيس ذراع . { التناؤش } بالهمزة : أبو عمرو وكوفي غير حفص همزت الواو لأن كل واو مضمومة ضمتها لازمة إن شئت أبدلتها همزة وإن شئت لم تبدل نحو قولك « أدور وتقاوم » ، وإن شئت قلت « أدؤر وتقاؤم » . وعن ثعلب : التناؤش بالهمز التناول من بعد ، وبغير همز التناول من قرب . { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } من قبل العذاب أو في الدنيا { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } معطوف على { قَدْ كَفَرُواْ } على حكاية الحال الماضية يعني وكانوا يتكلمون بالغيب أو بالشيء الغائب يقولون لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } عن الصدق أو عن الحق والصواب ، أو هو قولهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم شاعر ساحر كذاب وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي لأنهم لم يشاهدوا منه سحراً ولا شعراً ولا كذباً . وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله لأن أبعد شيء مما جاء به السحر والشعر وأبعد شيء من عاداته التي عرفت بينهم وجربت الكذب { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } عن أبي عمرو على البناء للمفعول أي تأتيهم به شياطينهم ويلقنونهم إياه وإن شئت فعلقه بقوله { وَقَالُواْ ءامَنَّا بِهِ } على أنه مثّلهم في طلبهم تحصيل ما عطلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم { آمنا } في الآخرة وذلك مطلب مستبعد بمن يقذف شيئاً من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائباً عنه بعيداً . ويجوز أن يكون الضمير في { آمنا به } للعذاب الشديد في قوله : { بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [ سبأ : 46 ] . وكانوا يقولون وما نحن بمعذبين إن كان الأمر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب ونحن أكرم على الله من أن يعذبنا قائسين أمر الآخرة على أمر الدنيا ، فهذا كان قذفهم بالغيب وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف { وَحِيلَ } وحجز { بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من نفع الإيمان يومئذ والنجاة به من النار والفوز بالجنة أو من الرد إلى الدنيا كما حكي عنهم بقوله { فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } [ السجدة : 12 ] والأفعال التي هي { فَزِعُواْ } { وَأُخِذُواْ } { وَحِيلَ } كلها للمضي والمراد بها الاستقبال لتحقق وقوعه { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـٰعِهِم مّن قَبْلُ } بأشباههم من الكفرة { إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكّ } من أمر الرسل والبعث { مُرِيبٍ } موقع في الريبة من أرابه إذا أوقعه في الريبة ، هذا رد على من زعم أن الله لا يعذب على الشك والله أعلم .