Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-9)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي القرآن مبتدأ خبره { مِنَ ٱللَّهِ } أي نزل من الله ، أو خبر مبتدأ محذوف والجار صلة التنزيل ، أو غير صلة بل هو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدإ محذوف تقديره هذا تنزيل الكتاب هذا من الله { ٱلْعَزِيزِ } في سلطانه { ٱلْحَكِيمِ } في تدبيره { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ } هذا ليس بتكرار لأن الأول كالعنوان للكتاب والثاني لبيان ما في الكتاب { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً } حال { لَّهُ ٱلدِّينِ } أي ممحضاً له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر ، فـ { ٱلدّينِ } منصوب بـ { مُخْلِصاً } وقرىء { ٱلدّين } بالرفع وحق من رفعه أن يقرأ { مُخْلِصاً } { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } أي هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر لاطلاعه على الغيوب والأسرار . وعن قتادة : الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله . وعن الحسن : الإسلام . { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره : والذين عبدوا الأصنام يقولون { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } مصدر أي تقريباً { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } بين المسلمين والمشركين { فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } قيل : كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السماوات والأرض ؟ قالوا : الله ، فإذا قالوا لهم : فما لكم تعبدون الأصنام ؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . والمعنى أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ كَـفَّارٌ } أي لا يهدي من هو في علمه أنه يختار الكفر يعني لا يوفقه للهدى ولا يعينه وقت اختياره الكفر ولكنه يخذله ، وكذبهم قولهم في بعض من اتخذوا من دون الله أولياء بنات الله ، ولذا عقبه محتجاً عليهم بقوله { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } أي لو جاز اتخاذ الولد على ما تظنون لاختار مما يخلق ما يشاء لا ما تختارون أنتم وتشاءون { سُبْحَـٰنَهُ } نزه ذاته عن أن يكون له أخذ ما نسبوا إليه من الأولياء والأولاد ، ودل على ذلك بقوله { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوٰحِدُ ٱلْقَهَّارُ } يعني أنه واحد متبريء عن انضمام الأعداد متعال عن التجزؤ والولاد ، قهار غلاب لكل شيء ومن الأشياء آلهتهم فأنى يكون له أولياء وشركاء ؟ . ثم دل بخلق السماوات والأرض وتكوير كل واحد من الملوين على الآخر وتسخير النيرين وجريهما لأجل مسمى ، وبث الناس على كثرة عددهم من نفس واحدة ، وخلق الأنعام على أنه واحد لا يشارك قهار لا يغالب بقوله { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱلَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱلَّيْلِ } والتكوير اللف واللي يقال : كار العمامة على رأسه وكورها ، والمعنى أن كل واحد منهما يغيّب الآخر إذا طرأ عليه ، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيّبه عن مطامح الأبصار ، أو أن هذا يكر على هذا كروراً متتابعاً ، فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } أي يوم القيامة { إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على عقاب من لم يعتبر بتسخير الشمس والقمر فلم يؤمن بمسخرهما { ٱلْغَفَّارُ } لمن فكر واعتبر فآمن بمدبرهما . { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } أي آدم عليه السلام { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي حواء من قُصَيراه . قيل : أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ثم خلق بعد ذلك حواء { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ } أي جعل . عن الحسن : أو خلقها في الجنة مع آدم عليه السلام ثم أنزلها ، أو لأنها لا تعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } ذكراً وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز كما بين في سورة الأنعام ، والزوج اسم لواحد معه آخر فإذا انفرد فهو فرد ووتر { يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم إلى تمام الخلق { فِى ظُلُمَـٰتٍ ثَلَٰثٍ } ظلمة البطن والرحم والمشيمة أو ظلمة الصلب والبطن والرحم { ذٰلِكُمُ } الذي هذه مفعولاته هو { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } فكيف يعدل بكم من عبادته إلى عبادة غيره . ثم بين أنه غني عنهم بقوله { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ } عن إيمانكم وأنتم محتاجون إليه لتضرركم بالكفر وانتفاعكم بالإيمان { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } لأن الكفر ليس برضا الله تعالى وإن كان بإرادته { وَإِن تَشْكُرُواْ } فتؤمنوا { يَرْضَهُ لَكُمْ } أي يرض الشكر لكم لأنه سبب فوزكم فيثيبكم عليه الجنة { يرضه } بضم الهاء والإشباع : مكي وعلي : { يرضه } بضم الهاء بدون الإشباع : نافع وهشام وعاصم غير يحيـى وحماد . وغيرهم { يرضه } { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي لا يؤاخذ أحد بذنب آخر { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } إلى جزاء ربكم رجوعكم { فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فيخبركم بأعمالكم ويجازيكم عليها { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } بخفيات القلوب { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ } هو أبو جهل أو كل كافر { ضُرٌّ } بلاء وشدة والمس في الأعراض مجاز { دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } راجعاً إلى الله بالدعاء لا يدعو غيره { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ } أعطاه { نِعْمَةً مِّنْهُ } من الله عز وجل { نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } أي نسى ربه الذي كان يتضرع إليه . و « ما » بمعنى « من » كقوله { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلاْنثَىٰ } [ الليل : 3 ] أو نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً } أمثالاً { لِيُضِلَّ } { لَيِضل } مكي وأبو عمرو ويعقوب { عَن سَبِيلِهِ } أي الإسلام { قُلْ } يا محمد { تَمَتَّعَ } أمر تهديد { بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } أي في الدنيا { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ } من أهلها . { أَمَّنْ } قرأ بالتخفيف مكي ونافع وحمزة على إدخال همزة الاستفهام على « من » ، وبالتشديد غيرهم على إدخال « أم » عليه و « من » مبتدأ خبره محذوف تقديره « أمن » { هُوَ قَانِتٌ } كغيره أي أمن هو مطيع كمن هو عاص والقانت المطيع لله ؟ وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو جرى ذكر الكافر قبله ، وقوله بعده { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } { ءَانَاءَ ٱلَّيْلِ } ساعاته { سَـٰجِداً وَقَائِماً } حالان من الضمير في { قَانِتٌ } { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } أي عذاب الآخرة { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } أي الجنة ، ودلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء ، يرجو رحمته لا عمله ويحذر عقابه لتقصيره في عمله . ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمناً ، والخوف إذا جاوز حده يكون إياساً ، وقد قال الله تعالى { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] وقال { إنه لا ييأس من من روح الله إلا القوم الكافرون } [ يوسف : 87 ] ، فيجب أن لا يجاوز أحدهما حده { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي يعلمون ويعملون به كأنه جعل من لا يعمل غير عالم ، وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنّون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهلة حيث جعل القانتين هم العلماء ، أو أريد به التشبيه أي كما لا يستوي العالم والجاهل كذلك لا يستوي المطيع والعاصي { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } جمع لب أي إنما يتعظ بوعظ الله أولو العقول .