Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 10-18)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بلا ياء عند الأكثر { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } أي أطاعوا الله في الدنيا . و « في » يتعلق بـ { أَحْسَنُواْ } لا بـ { حَسَنَةٌ } ، معناه الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة أي حسنة لا توصف . وقد علقه السدي بـ { حَسَنَةٌ } ففسر الحسنة بالصحة والعافية . ومعنى { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } أي لا عذر للمفرطين في الإحسان البتة حتى إن اعتلوا بأنهم لا يتمكنون في أوطانهم من التوفر على الإحسان . قيل لهم : فإن أرض الله واسعة وبلاده كثيرة ، فتحولوا إلى بلاد أخرى . واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحساناً إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ } على مفارقة أوطانهم وعشائرهم وعلى غيرها من تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير { أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } عن ابن عباس رضي الله عنهما : لا يهتدي إليه حساب الحسّاب ولا يعرف . وهو حال من الأجر أي موفراً { قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ } بأن أعبد الله { مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينِ } أي أمرت بإخلاص الدين { وَأُمِرْتُ لأَِنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } وأمرت بذلك لأجل أن أكون أول المسلمين أي مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة ، والمعنى أن الإخلاص له السُّبقة في الدين فمن أخلص كان سابقاً ، فالأول أمر بالعبادة مع الإخلاص ، والثاني بالسبق فلاختلاف جهتيهما نزلاً منزلة المختلفين ، فصح عطف أحدهما على الآخر . { قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } لمن دعاك بالرجوع إلى دين آبائك ، وذلك أن كفار قريش قالوا له عليه السلام : ألا تنظر إلى أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فنزلت رداً عليهم { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى } وهذه الآية إخبار بأنه يخص الله وحده بعبادته مخلصاً له دينه دون غيره ، والأولى إخبار بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فالكلام أولاً واقع في نفس الفعل وإثباته ، وثانياً فيما يفعل الفعل لأجله ولذلك رتب عليه قوله : { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } وهذا أمر تهديد . وقيل له عليه السلام : إن خالفت دين آبائك فقد خسرت فنزلت { قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ } أي الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } بإهلاكها في النار { وَأَهْلِيهِمْ } أي وخسروا أهليهم { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لأنهم أضلوهم فصاروا إلى النار ، ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله : { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } حيث صدر الجملة بحرف التنبيه ووسط الفصل بين المبتدأ والخبر وعرف الخسران ونعته بالمبين ، وذلك لأنهم استبدلوا بالجنة ناراً وبالدرجات دركات { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ } أطباق { مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } أطباق من النار وهي ظلل لآخرين أي النار محيطة بهم { ذٰلِكَ } الذي وصف من العذاب أو ذلك الظلل { يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } ليؤمنوا به ويجتنبوا مناهيه { يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي خوّفهم بالنار . ثم حذرهم نفسه { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ } الشياطين « فعلوت » من الطغيان كالملكوت والرحموت إلا أن فيها قلباً بتقديم اللام على العين ، أطلقت على الشيطان أو الشياطين لكون الطاغوت مصدراً ، وفيها مبالغات وهي التسمية بالمصدر كأن عين الشيطان طغيان وأن البناء بناء مبالغة ، فإن الرحموت الرحمة الواسعة ، والملكوت الملك المبسوط والقلب وهو للاختصاص ، إذ لا تطلق على غير الشيطان والمراد بها ههنا الجمع وقريء { الطواغيت } { أَن يَعْبُدُوهَا } بدل الاشتمال من الطاغوت أي عبادتها { وَأَنَابُواْ } رجعوا { إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } هي البشارة بالثواب تتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين وحين يحشرون { فَبَشِّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } هم الذين اجتنبوا أنابوا ، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة فوضع الظاهر موضع الضمير أراد أن يكونوا نقاداً في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل ، فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب ، وكذا المباح والندب حراصاً على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثواباً ، أو يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن ، أو يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو ونحو ذلك ، أو يستمعون الحديث مع القوم فيه محاسن ومساوىء فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } أي المنتفعون بعقولهم .