Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 51-59)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَأَصَـٰبَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } أي جزاء سيئات كسبهم ، أو سمى جزاء السيئة سيئة للازدواج كقوله : { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] . { وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } كفروا { مِنْ هَـؤُلآءِ } أي من مشركي قومك { سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } أي سيصيبهم مثل ما أصاب أولئك ، فقتل صناديدهم ببدر وحبس عنهم الرزق فقحطوا سبع سنين { وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } بفائتين من عذاب الله ، ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم { أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } ويضيق . وقيل : يجعله على قدر القوت { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } بأنه لا قابض ولا باسط إلا الله عز وجل . { قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ } وبسكون الياء : بصري وحمزة وعلي { أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والغلو فيها { لاَ تَقْنَطُواْ } لا تيأسوا ، وبكسر النون : علي وبصري { مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } بالعفو عنها إلا الشرك ، وفي قراءة النبي عليه السلام يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي ، ونظير نفي المبالاة نفي الخوف في قوله { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـٰهَا } [ الشمس : 16 ] . قيل : نزلت في وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية " { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ } بستر عظائم الذنوب { ٱلرَّحِيمُ } بكشف فظائع الكروب { وَأَنِـيبُواْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ } وتوبوا إليه { وَأَسْلِمُواْ لَهُ } وأخلصوا له العمل { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } إن لم تتوبوا قبل نزول العقاب { وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } مثل قوله : { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وقوله { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أي يفجؤكم وأنتم غافلون كأنكم لا تخشون شيئاً لفرط غفلتكم . { أَن تَقُولَ } لئلا تقول { نَفْسٌ } إنما نكرت لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر ، ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم ، ويجوز أن يراد التكثير { يٰحَسْرَتَىٰ } الألف بدل من ياء المتكلم ، وقرىء : { يا حسرتي } على الأصل و { يا حسرتاي } على الجمع بين العوض والمعوض منه { عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ } قصرت و « ما » مصدرية مثلها في { بِمَا رَحُبَتْ } [ التوبة : 25 ] { فِى جَنبِ ٱللَّهِ } في أمر الله أو في طاعة الله أو في ذاته ، وفي حرف عبد الله في ذكر الله والجنب الجانب يقال : أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته ، وفلان لين الجانب والجنب ، ثم قالوا : فرط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقه ، وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه ، ومنه الحديث : " من الشرك الخفي أن يصلي الرجل لمكان الرجل " أي لأجله ، وقال الزجاج : معناه فرط في طريق الله وهو توحيده والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم { وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ } المستهزئين . قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها . ومحل { وَإِن كُنتُ } النصب على الحال كأنه قال : فرطت وأنا ساخر أي فرطت في حال سخريتي { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِى } أي أعطاني الهداية { لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } من الذين يتقون الشرك ، قال الشيخ الإمام أبو منصور رحمه الله تعالى : هذا الكافر أعرف بهداية الله من المعتزلة ، وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لأتباعهم : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } [ إبراهيم : 21 ] يقولون : لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه ، ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا ، والمعتزلة يقولون : بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا . والحاصل أن عند الله لطفاً من أعطى ذلك اهتدى ، وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى ، وكان استحبابه العذاب وتضييعه الحق بعدما مكن من تحصيله لذلك { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَـرَّةً } رجعة إلى الدنيا { فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } من الموحدين { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ ءَايَـٰتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } « بلى » رد من الله عليه كأنه يقول : بلى قد جاءتك آياتي وبينت لك الهداية من الغواية وسبيل الحق من الباطل ومكنتك من اختيار الهداية على الغواية واختيار الحق على الباطل ، ولكن تركت ذلك وضيعته واستكبرت عن قبوله ، وآثرت الضلالة على الهدى ، واشتغلت بضد ما أمرت به فإنما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك ، و { بَلَىٰ } جواب لنفي تقديري لأن المعنى : لو أن الله هداني ما هديت وإنما لم يقرن الجواب به ، لأنه لا بد من حكاية أقوال النفس على ترتيبها ثم الجواب من بينها عما اقتضى الجواب .