Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 45-50)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ } مدار المعنى على قوله { وَحْدَهُ } أي إذا أفرد الله بالذكر ولم تذكر معه آلهتهم { ٱشْمَأَزَّتْ } أي نفرت وانقبضت { قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } يعني آلهتهم ذكر الله معهم أو لم يذكر { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } لافتتانهم بها ، وإذا قيل لا إله إلا الله وحده لا شريك له نفروا لأن فيه نفياً لآلهتهم ، ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه ، فالاستبشار أن يمتلىء قلبه سروراً حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل ، والاشمئزاز أن يمتلىء غماً وغيظاً حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه ، والعامل في { إِذَا ذُكِرَ } هو العامل في « إذا » المفاجأة . تقديره : وقت ذكر الذين من دونه فاجئوا وقت الاستبشار { قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي يا فاطر ، وليس بوصف كما يقوله المبرد والفراء { عَـٰلِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } السر والعلانية { أَنتَ تَحْكُمُ } تقضي { بَيْنَ عِبَادِكَ فِى مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الهدى والضلالة ، وقيل : هذه محاكمة من النبي للمشركين إلى الله . وعن ابن المسيب : لا أعرف آية قرئت فدعي عندها إلا أجيب سواها . وعن الربيع بن خيثم وكان قليل الكلام أنه أخبر بقتل الحسين رضي الله عنه وقالوا : الآن يتكلم فما زاد أن قال : آه أوقد فعلوا وقرأ هذه الآية . ورُوي أنه قال على أثره : قتل من كان صلى الله عليه وسلم يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه . { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ } الهاء تعود إلى « ما » { لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوءِ ٱلْعَذَابِ } شدته { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } وظهر لهم من سخط الله وعذابه ما لم يكن قط في حسبانهم ولا يحدثون به نفوسهم . وقيل : عملوا أعمالاً حسبوها حسنات فإذا هي سيئات ، وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال : ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء . وجزع محمد بن المنكدر عند موته فقيل له فقال : أخشى آية من كتاب الله وتلاها ، فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسبه { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ } أي سيئات أعمالهم التي كسبوها أو سيئات كسبهم حين تعرض صحائف أعمالهم وكانت خافية عليهم أو عقاب ذلك { وَحَاقَ بِهِم } ونزل بهم وأحاط { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } جزاء هزئهم . { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ } أي أعطيناه تفضلاً . يقال : خولني إذا أعطاك على غير جزاء { نِعْمَةً مِّنَّا } ولا تقف عليه لأن جواب « إذا » { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } مني أني سأعطاه لما فيّ من فضل واستحقاق ، أو على علم مني بوجوه الكسب كما قال قارون { عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِى } [ القصص : 78 ] وإنما ذكر الضمير في { أُوتِيتُهُ } وهو للنعمة نظراً إلى المعنى لأن قوله { نِعْمَةً مّنَّا } شيئاً من النعمة وقسماً منها . وقيل : « ما » في « إنما » موصولة لا كافة فيرجع الضمير إليها أي إن الذي أوتيته على علم { بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ } إنكار له كأنه قال : ما خولناك من النعمة لما تقول بل هي فتنة أي ابتلاء وامتحان لك أتشكر أم تكفر . ولما كان الخبر مؤنثاً أعني فتنة ساغ تأنيث المبتدأ لأجله ، وقريء بل هو فتنة على وفق { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ } { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنها فتنة ، والسبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أول السورة بالواو ، أن هذه وقعت مسببة عن قوله { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ } على معنى أنهم يشمئزون من ذكر الله ويستبشرون بذكر الآلهة ، فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز بذكره دون من استبشر بذكره وما بينهما من الآي اعتراض . فإن قلت : حق الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبينه . قلت : ما في الاعتراض من دعاء الرسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بأمر من الله وقوله { أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ } ثم ما عقبه من الوعيد العظيم ، تأكيد لإنكار اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى الله في الشدائد دون آلهتهم كأنه قيل : يا رب لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترئون عليك مثل هذه الجرأة إلا أنت ، وقوله : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } متناول هم ولكل ظالم إن جعل عاماً ، أو إياهم خاصة إن عنيتهم به كأنه قيل : ولو أن لهؤلاء الظالمين ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به حين حكم عليهم بسوء العذاب ، وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو نحو « قام زيد وقعد عمرو » ، وبيان وقوعها مسببة أنك تقول : زيد يؤمن بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه ، فهذا تسبيب ظاهر ، ثم تقول : زيد كافر بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه ، فتجيء بالفاء مجيئك بها ثمة كأن الكافر حين التجأ إلى الله التجاء المؤمن إليه مقيم كفره مقام الإيمان في جعله سبباً في الالتجاء { قَدْ قَالَهَا } هذه المقالة وهي قوله { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي قارون وقومه حيث قال : { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِى } [ القصص : 78 ] وقومه راضون بها ، فكأنهم قالوها ، ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من متاع الدنيا وما يجمعون منها .