Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 142-153)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ } أي يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر . والمنافق من أظهر الإيمان وأبطن الكفر ، أو أولياء الله وهم المؤمنون فأضاف خداعهم إلى نفسه تشريفاً لهم { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } وهو فاعل بهم ما يفعل المغالب في الخداع حيث تركهم معصومي الدماء والأموال في الدنيا ، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في العقبى . والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه . وقيل : يجزيهم جزاء خداعهم . { وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ } متثاقلين كراهة ، أما الغفلة فقد يبتلى بها المؤمن وهو جمع كسلان كسكارى في سكران { يُرَاءَونَ ٱلنَّاسَ } حال أي يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة . والمرأة مفاعلة من الرؤية لأن المرائي يريهم عمله وهم يرونه استحساناً { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } ولا يصلون إلا قليلاً لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس ، أو لا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكراً قليلاً نادراً . قال الحسن : لو كان ذلك القليل لله تعالى لكان كثيراً { مُّذَبْذَبِينَ } نصب على الذم أي مردّدين يعني ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر فهم مترددون بينهما متحيرون ، وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين أي يدفع فلا يقر في جانب واحد إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب { بَيْنَ ذٰلِكَ } بين الكفر والإيمان { لآَ إِلَىٰ هَٰـؤُلآء } لا منسوبين إلى هؤلاء فيكونوا مؤمنين { وَلآَ إِلَى هَـٰؤُلآء } ولا منسوبين إلى هؤلاء فيسموا مشركين { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } طريقاً إلى الهدى . { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } حجة بينه في تعذيبكم { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } أي في الطبق الذي في قعر جنهم ، والنار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض . وإنما كان المنافق أشد عذاباً من الكافر لأنه أمن السيف في الدنيا فاستحق الدرك الأسفل في العقبى تعديلاً ، ولأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله . والدرك بسكون الراء : كوفي غير الأعشى ، وبفتح الراء : غيرهم . وهما لغتان ، وذكر الزجاج أن الاختيار فتح الراء . { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } يمنعهم من العذاب { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } من النفاق وهو استثناء من الضمير المجرور في « ولن تجد لهم نصير » { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } ووثقوا به كما يثق المؤمنون الخلص { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } لا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه { فَأُوْلَٰـئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فهم أصحاب المؤمنين ورفاقهم في الدارين { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } فيشاركونهم فيه . وحذفت الياء في الخط هنا إتباعاً للفظ . ثم استفهم مقرراً أنه لا يعذب المؤمن الشاكر فقال { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ } لله { وَءَامَنتُمْ } به فـ « ما » منصوبة بـ « يفعل » أي أي شيء يفعل بعذابكم ؟ فالإيمان معرفة المنعم ، والشكر الاعتراف بالنعمة ، والكفر بالمنعم والنعمة عناد ، فلذا استحق الكافر العذاب . وقدم الشكر على الإيمان لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكراً مبهماً ، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكراً مفصلاً فكان الشكر متقدماً على الإيمان { وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِراً } يجزيكم على شكركم أو يقبل اليسير من العمل ويعطي الجزيل من الثواب { عَلِيماً } عالماً بما تصنعون . { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } ولا غير الجهر ولكن الجهر أفحش { إَلاَّ مَن ظُلِمَ } إلا جهر من ظلم استثنى من الجهر الذي لا يحبه الله جهر المظلوم وهو أن يدعو على الظالم ويذكره بما فيه من السوء . وقيل : الجهر بالسوء من القول هو الشتم إلا من ظلم فإنه إن رد عليه مثله فلا حرج عليه { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } [ الشورى : 41 ] { وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً } لشكوى المظلوم { عَلِيماً } بظلم الظالم . ثم حث على العفو وأن لا يجهر أحد لأحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار بعد ما أطلق الجهر به حثاً على الأفضل ، وذكر إبداء الخير وإخفاءه تشبيباً للعفو فقال { إِن تُبْدُواْ خَيْراً } مكان جهر السوء { أَوْ تُخْفُوهُ } فتعملوه سراً ثم عطف العفو عليهما فقال { أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوء } أي تمحوه عن قلوبكم والدليل على أن العفو هو المقصود بذكر إبداء الخير وإخفائه قوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } أي إنه لم يزل عفواً عن الآثام مع قدرته على الانتقام فعليكم أن تقتدوا بسنته . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } كاليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام والإنجيل والقرآن ، وكالنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن { وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } أي ديناً وسطاً بين الإيمان والكفر ولا واسطة بينهما { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } هم الكاملون في الكفر لأن الكفر بواحد كفر بالكل { حَقّاً } تأكيد لمضمون الجملة كقولك « هذا عبد الله حقاً » أي حق ذلك حقاً وهو كونهم كاملين في الكفر ، أو هو صفة لمصدر الكافرين أي هم الذين كفروا حقاً ثابتاً يقيناً لا شك فيه { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } في الآخرة { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } وإنما جاز دخول « بين » على « أحد » لأنه عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما { أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ } وبالياء : حفص { أُجُورَهُمْ } أي الثواب الموعود لهم { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } يستر السيئات { رَّحِيماً } يقبل الحسنات ، والآية تدل على بطلان قول المعتزلة في تخليد المرتكب الكبيرة لأنه أخبر أن من آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد منهم يؤتيه أجره ، ومرتكب الكبيرة ممن آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد فيدخل تحت الوعد ، وعلى بطلان قول من لا يقول بقدم صفات الفعل من المغفرة والرحمة لأنه قال : « وكان الله غفوراً رحيماً » وهم يقولون : ما كان الله غفوراً رحيماً في الأزل ثم صار غفوراً رحيماً . ولما قال فنحاص وأصحابه للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت نبياً صادقاً فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى عليه السلام نزل { يَسْـئَلُكَ * أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } وبالتخفيف : مكي وأبو عمرو { كِتَـٰباً مّنَ ٱلسَّمَاء } أي جملة كما نزلت التوراة جملة ، وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت . وقال الحسن : ولو سألوه مسترشدين لأعطاهم لأن إنزال القرآن جملة ممكن { فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ } هذا جواب شرط مقدر معناه : إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك . وإنما أسند السؤال إليهم وقد وجد من آبائهم في أيام موسى عليه السلام وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم { فَقَالُواْ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } عياناً أي أرنا نره جهرة { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ } العذاب الهائل أو النار المحرقة { بِظُلْمِهِمْ } على أنفسهم بسؤال شيء في غير موضعه ، أو بالتحكم على نبيهم في الآيات وتعنتهم في سؤال الرؤية لا بسؤال الرؤية لأنها ممكنة كإنزال القرآن جملة ، ولو كان ذلك بسبب سؤال الرؤية لكان موسى بذلك أحق فإنه قال { رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] وما أخذته الصاعقة بل أطمعه وقيده بالممكن ولا يعلق بالممكن إلا ما هو ممكن الثبوت ثم أحياهم { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } إلهاً { مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } التوراة والمعجزات التسع { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ } تفضلاً ولم نستأصلهم { وَءَاتَيِْنَا مُوسَى سُلْطَٰناً مُّبِيناً } حجة ظاهرة على من خالفه .