Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 159-171)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } « ليؤمنن به » جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به ونحوه { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] والمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى عليه السلام وبأنه عبد الله ورسوله يعني إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف . أو بالكتاب الضميران لعيسى يعني وإن منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله . رُوي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام ، أو الضمير « في به » يرجع إلى الله أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم والثاني إلى الكتابي { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله { فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } وهي ما ذكر في سورة الأنعام { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ } [ الأنعام : 146 ] الآية . والمعنى ما حرمنا عليهم الطيبات إلا لظلم عظيم ارتكبوه وهو ما عدد قبل هذا { وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وبمنعهم عن الإيمان { كَثِيراً } أي خلقاً كثيراً أو صداً كثيراً { وَأَخْذِهِمُ * ٱلرّبَوٰاْ وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } كان الربا محرماً عليهم كما حرم علينا وكانوا يتعاطونه { وَأَكْلِهِمْ أَمْوٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ } بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ مِنْهُمْ } دون من آمن { عَذَاباً أَلِيماً } في الآخرة { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ } أي الثابتون فيه المتقون كابن سلام وأضرابه { مِنْهُمْ } من أهل الكتاب { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } أي المؤمنون منهم والمؤمنون من المهاجرين والأنصار . وارتفع « الراسخون » على الابتداء { يُؤْمِنُونَ } خبره { بِمَا أُنزَلَ إِلَيْكَ } أي القرآن { وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } أي سائر الكتب { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ } منصوب على المدح لبيان فضل الصلاة ، وفي مصحف عبد الله « والمقيمون » وهي قراءة مالك بن دينار وغيره { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } مبتدأ { وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآَخِرِ } عطف عليه والخبر { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } وبالياء : حمزة . { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتاباً من السماء ، واحتجاج عليهم بأن شأنه في الوحي إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا { كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ } كهود وصالح وشعيب وغيرهم . { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ } أي أولاد يعقوب { وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَـٰرُونَ وَسُلَيْمَـٰنَ وَءاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } « زُبوراً » : حمزة مصدر بمعنى مفعول سمي به الكتاب المنزل على داود عليه السلام { وَرُسُلاً } نصب بمضمر في معنى أوحينا إليك وهو أرسلنا ونبأنا { قَدْ قَصَصْنَـٰهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } من قبل هذه السورة { وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } سأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء قال " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً " قال : كم الرسل منهم ؟ قال : " ثلثمائة وثلاثة عشر أول الرسل آدم وآخرهم نبيكم محمد عليه السلام وأربعة مِن العرب هود وصالح وشعيب ومحمد عليه السلام " والآية تدل على أن معرفة الرسل بأعيانهم ليست بشرط لصحة الإيمان بل من شرطه أن يؤمن بهم جميعاً إذ لو كان معرفة كل واحد منهم شرطاً لقص علينا كل ذلك { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } أي بلا واسطة . { رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ } الأوجه أن ينتصب على المدح أي أعني رسلاً ، ويجوز أن يكون بدلاً من الأول ، وأن يكون مفعولاً أي وأرسلنا رسلاً . واللام في { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } يتعلق بـ « مبشرين » ومنذرين والمعنى أن إرسالهم إزاحة للعلة وتتميم لإلزام الحجة لئلا يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولاً فيوقظنا من سنة الغفلة ، وينبهنا بما وجب الانتباه له ، ويعلمنا ما سبيل معرفته السمع كالعبادات والشرائع أعني في حق مقاديرها وأوقاتها وكيفياتها دون أصولها فإنها مما يعرف بالعقل { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } في العقاب على الإنكار { حَكِيماً } في بعث الرسل للإنذار . ولما نزل « إنا أوحينا إليك » قالوا ما نشهد لك بهذا فنزل { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ } ومعنى شهادة الله بما أنزل إليه إثباته لصحته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات إذ الحكيم لا يؤيد الكاذب بالمعجزة { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } أي أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه ، أو أنزله بما علم من مصالح العباد ، وفيه نفي قول المعتزلة في إنكار الصفات فإنه أثبت لنفسه العلم { وَٱلْمَلَـئِكَةُ يَشْهَدُونَ } لك بالنبوة { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } شاهداً وإن لم يشهد غيره { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ومنعوا الناس عن سبيل الحق بقولهم للعرب « إنا لا نجده في كتابنا » { قَدْ ضَلُّواْ ضَلَـٰلاَ بَعِيداً } عن الرشد { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله { وَظَلَمُواْ } محمداً عليهم السلام بتغيير نعته وإنكار نبوته { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } ما داموا على الكفر { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } وكان تخليدهم في جهنم سهلاً عليه ، والتقدير يعاقبهم خالدين فهوحال مقدرة والآيتان في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ويموتون على الكفر . { يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقّ مِن رَّبّكُمْ } أي بالإسلام أو هو حال أي محقاً { فَـئَامِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } وكذلك { ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ } انتصابه بمضمر ، وذلك أنه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث علم أنه يحملهم على أمر فقال « خيراً لكم » أي اقصدوا وأتوا أمراً خيراً لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث وهو الإيمان به والتوحيد { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ } فلا يضره كفركم { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } بمن يؤمن وبمن يكفر { حَكِيماً } لا يسوي بينهما في الجزاء . { يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ } لا تجاوزوا الحد فغلت اليهود في حط المسيح عن منزلته حتى قالوا إنه ابن الزنا ، وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه ابن الله { وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } وهو تنزيهه عن الشريك والولد { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } لا ابن الله { رَسُولُ ٱللَّهِ } خبر المبتدأ وهو « المسيح » و « عيسى » عطف بيان أو بدل { وَكَلِمَتُهُ } عطف على « رسول الله » . وقيل له « كلمة » لأنه يهتدي به كما يهتدي بالكلام { أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } حال « وقد » معه مرادة أي أوصلها إليها وحصلها فيها { وَرُوحٌ } معطوف على الخبر أيضاً . وقيل له « روح » لأنه كان يحيـي الموتى كما سمي القرآن روحاً بقوله { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] لما أنه يحيـي القلوب { مِّنْهُ } أي بتخليقه وتكوينه كقوله تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاْرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ } [ الجاثية : 13 ] وبه أجاب عليّ بن الحسين بن واقد غلاماً نصرانياً كان للرشيد في مجلسه حيث زعم أن في كتابكم حجة على أن عيسى من الله { فَـئَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلَـٰثَةٌ } خبر مبتدأ محذوف أي ولا تقولوا الآلهة ثلاثة { ٱنتَهُواْ } عن التثليث { خَيْراً لَّكُمْ } . والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة وأن المسيح ولد الله من مريم ألا ترى إلى قوله : { أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 116 ] . { وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [ التوبة : 30 ] . { إِنَّمَا ٱللَّهُ } مبتدأ { إِلَـهٌ } خبرة { وٰحِدٌ } توكيد { سُبْحَـٰنَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } أسبحه تسبيحاً من أن يكون له ولد { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ } بيان لتنزهه مما نسب إليه بمعنى أن كل ما فيهما خلقه وملكه فكيف يكون بعض ملكه جزءًا منه . إذ البنوة والملك لا يجتمعان ، على أن الجزء إنما يصح في الأجسام وهو يتعالى عن أن يكون جسماً { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } حافظاً ومدبراً لهما ولما فيهما ، ومن عجز عن كفاية أمر يحتاج إلى ولد يعينه . ولما قال وفد نجران لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تعيب صاحبنا عيسى ؟ قال : " وأي شيء أقول ؟ " قالوا : تقول إنه عبد الله ورسوله . قال : " إنه ليس بعار أن يكون عبد الله " قالوا : بلى ، نزل قوله تعالى :