Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 63-76)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من النفاق . { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } فأعرض عن قبول الأعذار وعظ بالزجر والإنكار وبالغ في وعظهم بالتخويف والإنذار ، أو أعرض عن عقابهم وعظهم في عتابهم وبلغ كنه ما في ضميرك من الوعظ بارتكابهم . والبلاغة أن يبلغ بلسانه كنه ما في جنانه . و « في أنفسهم » يتعلق بـ « قل لهم » أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولاً بليغاً منهم ويؤثر فيهم . { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ } أي رسولاً قط { إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بتوفيقه في طاعته وتيسيره ، أو بسبب إذن الله في طاعته وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه لأنه مؤد عن الله فطاعته طاعة الله { وَمَن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بالتحاكم إلى الطاغوت { جَاءُوكَ } تائبين من النفاق معتذرين عما ارتكبوا من الشقاق { فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } من النفاق والشقاق { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } بالشفاعة لهم . والعامل في « إذ ظلموا » خبر « أنّ » وهو « جاؤوك » والمعنى : ولو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً } لعلموه تواباً أي لتاب عليهم . ولم يقل « واستغفرت لهم » وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيماً لشأنه صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لاستغفاره وتنبيهاً على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان { رَّحِيماً } بهم . قيل : جاء أعرابي بعد دفنه عليه السلام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله ، قلت فسمعنا وكان فيما أنزل عليك : « ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم » الآية . وقد ظلمت نفسي وجئتك أستغفر الله من ذنبي فاستغفر لي من ربي ، فنودي من قبره قد غفر لك . { فَلاَ وَرَبّكَ } أي فوربك كقوله { فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ } [ الحجر : 92 ] « ولا » مزيدة لتأكيد معنى القسم وجواب القسم { لاَ يُؤْمِنُونَ } أو التقدير : فلا أي ليس الأمر كما يقولون ثم قال « وربك لا يؤمنون » { حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً } ضيقاً { مّمَّا قَضَيْتَ } أي لا تضيق صدورهم من حكمك أو شكًّا ، لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } وينقادوا لقضائك انقياداً وحقيقته . سلم نفسه له وأسلمها أي جعلها سالمة له أي خاصة . وتسليماً مصدر مؤكد للفعل بمنزلة تكريره كأنه قيل : وينقادوا لحكمك انقياداً لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم ، والمعنى لا يكونون مؤمنين حتى يرضوا بحكمك وقضائك { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ } على المنافقين أي ولو وقع كتبنا عليهم { أَنِ ٱقْتُلُواْ } « أن » هي المفسرة { أَنفُسَكُـمْ } أي تعرضوا للقتل بالجهاد . أو ولو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم { أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ } بالهجرة { مَّا فَعَلُوهُ } لنفاقهم . والهاء ضمير أحد مصدري الفعلين وهو القتل أو الخروج أو ضمير المكتوب لدلالة كتبنا « عليه » { إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } « قليلاً » : شامي على الاستثناء والرفع على البدل من واو « فعلوه » { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } من اتباع رسول الله عليه السلام والانقياد لحكمه { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } في الدارين { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } لإيمانهم وأبعد عن الاضطراب فيه { وَإِذَاً } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل : وماذا يكون لهم بعد التثبيت ؟ فقيل : وإذا لو ثبتوا { لاَتَيْنَـٰهُمْ مّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً } أي ثواباً كثيراً لا ينقطع . { وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرٰطاً } مفعول ثانٍ { مُّسْتَقِيماً } أي لثبتناهم على الدين الحق { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّيْنَ وَٱلصّدّيقِينَ } كأفاضل صحابة الأنبياء . والصديق : المبالغ في صدق ظاهره بالمعاملة وباطنه بالمراقبة ، أو الذي يصدق قوله بفعله { وَٱلشُّهَدَاء } والذين استشهدوا في سبيل الله { وَٱلصَّـٰلِحِينَ } ومن صلحت أحوالهم وحسنت أعمالهم { وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً } أي وما أحسن أولئك رفيقاً وهو كالصديق والخليط في استواء الواحد والجمع فيه { ذٰلِكَ } مبتدأ خبره { ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } أو « الفضل » صفته و « من الله » خبره والمعنى : أن ما أعطى المطيعون من الأجر العظيم ومرافقة المنعم عليهم من الله لأنه تفضل به عليهم ، أو أراد أن فضل المنعم عليهم ومزيتهم من الله . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } بِعِبَادِهِ وَبِمَن هُوَ أَهْلُ ٱلْفَضْلِ ودلت الآية على أن ما يفعل الله بعباده فهو فضل منه بخلاف ما يقوله المعتزلة { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } الحذر والحذر بمعنى وهو التحرز وهما كالإثر والأثر . يقال : أخذ حذره إذا تيقظ ، واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه ، والمعنى احذروا واحترزوا من العدو { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ } فاخرجوا إلى العدو جماعات متفرقة سرية بعد سرية ، فالثباب الجماعات واحدها ثبة . { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } أي مجتمعين أو مع النبي عليه السلام ، لأن الجمع بدون السمع لا يتم ، والعقد بدون الواسطة لا ينتظم . أو انفروا ثباتٍ إذا لم يعم النفير ، أو انفروا جميعاً إذا عم النفير . وثبات « حال » وكذا « جميعاً » . واللام في { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن } للابتداء بمنزلتها في { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ } [ النحل : 18 ] و « من » موصولة . وفي { لَّيُبَطّئَنَّ } جواب قسم محذوف تقديره : وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن والقسم وجوابه صلة من ، والضمير الراجع منها إليه ما استكنّ في { لَّيُبَطّئَنَّ } أي ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد ، وبطؤ بمعنى أبطأ أي تأخر ويقال : « ما بطؤ بك » فيتعدى بالباء . والخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله « منكم » أي في الظاهر دون الباطن يعني المنافقين يقولون لم تقتلون أنفسكم تأنوا حتى يظهر الأمر { فَإِنْ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } قتل أو هزيمة { قَالَ } المبطىء { قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } « حاضر » فيصيبني مثل ما أصابهم { وَلَئِنْ أَصَـٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } فتح أو غنيمة { لَّيَقُولَنَّ } هذا المبطىء متلهفاً على ما فاته من الغنمية لا طلباً للمثوبة { كَأنَ } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي كأنه { لََّمْ تَكُنْ } وبالتاء مكي وحفص { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } وهي اعتراض بين الفعل وهو « ليقولن » وبين مفعوله وهو { يٰلَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ } والمعنى : كأن لم يتقدم له معكم موادة لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين في الظاهر وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن { فَأَفُوزَ } بالنصب لأنه جواب التمني { فَوْزاً عَظِيماً } فآخذ من الغنيمة حظاً وافراً . { فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ } يبيعون { ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلأخِرَةِ } والمراد المؤمنون الذين يستحبون الحياة الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها ، أي إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل الثابتون المخلصون أو يشترون ، والمراد المنافقون الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة ، وعطفوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ويجـاهدوا في سبيل الله حق جهاده { وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } وعد الله المقاتل في سبيل الله ظافراً أو مظفوراً به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده في إعزاز دين الله . { وَمَا لَكُمْ } مبتدأ وخبر ، وهذا الاستفهام في النفي للتنبيه على الاستبطاء ، وفي الإثبات للإنكار { لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } حال والعامل فيها الاستقرار كما تقول « مالك قائماً » والمعنى وأي شيء لكم تاركين القتال وقد ظهرت دواعيه { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } مجرور بالعطف « على سبيل الله » أي في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين ، أو منصوب على الاختصاص منه أي واختص من سبيل الله خلاص المستضعَفين من المستضعِفين ، لأن سبيل الله عام في كل خير ، وخلاص المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه . والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد { مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } ذكر الولدان تسجيلاً بإفراط ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين إرغاماً لآبائهم وأمهاتهم ، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالاً لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس عليه السلام . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } يعني مكة { ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا } « الظالم » وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها فأعطي إعراب القرية لأنه صفتها وذكر لإسناده إلى الأهل كما تقول « من هذه القرية التي ظلم أهلها » { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } يتولى أمرنا ويستنقذنا من أعدائنا { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } ينصرنا عليهم . كانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولي وناصر وهو محمد عليه السلام ، فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر . ولما خرج محمد صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعز بها من الظلمة ثم رغب الله المؤمنين بأنهم يقاتلون في سبيل الله فهو وليهم وناصرهم ، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان فلا ولي لهم إلا الشيطان بقوله { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ } أي الشيطان { فَقَـٰتِلُواْ أَوْلِيَاء ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي الكفار { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي وساوسه . وقيل : الكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال { كَانَ ضَعِيفاً } لأنه غرور لا يؤول إلى محصول ، أو كيده في مقابلة نصر الله ضعيف . كان المسلمون مكفوفين عن القتال مع الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه فنزل .