Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 77-84)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } أي عن القتال { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } أي فرض بالمدينة { إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } يخافون أن يقاتلهم الكفار كما يخافون أن ينزل الله عليهم بأسه ، لا شكاً في الدين ولا رغبة عنه ولكن نفوراً عن الإخطار بالأرواح وخوفاً من الموت . قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : هذه خشية طبع لا أن ذلك منهم كراهة لحكم الله وأمره اعتقاداً ، فالمرء مجبول على كراهة مافيه خوف هلاكه غالباً ، وخشية الله من إضافة المصدر إلى المفعول ومحله النصب على الحال من الضمير في « يخشون » أي يخشون الناس مثل خشية أهل الله أي مشبهين لأهل خشية الله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } هو معطوف على الحال أي أو أشد خشية من أهل خشية الله وأو للتخيير أي إن قلت ؛ خشيتهم الناس كخشية الله فأنت مصيب ، وإن قلت : إنها أشد فأنت مصيب لأنه حصل لهم مثلها وزيادة . { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } هلا أمهلتنا إلى الموت فنموت على الفرش ، وهو سؤال عن وجه الحكمة في فرض القتال عليهم لا اعتراض لحكمه بدليل أنهم لم يوبخوا على هذا السؤال بل أجيبوا بقوله { قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلأخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ ٱتَّقَىٰ } متاع الدنيا قليل زائل ومتاع الآخرة كثير دائم ، والكثير إذا كان على شرف الزوال فهو قليل فكيف القليل الزائل ! { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } ولا تنقصون أدنى شيء من أجوركم على مشاق القتل فلا ترغبوا عنه . وبالياء : مكي وحمزة وعلي . ثم أخبر أن الحذر لا ينجي من القدر بقوله : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } « ما » زائدة لتوكيد معنى الشرط في « أين » { وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ } حصون أو قصور { مُّشَيَّدَةٍ } مرفعة { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } نعمة من خصب ورخاء { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } نسبوها إلى الله { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } بلية من قحط وشدة { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } أضافوها إليك وقالوا . هذه من عندك وما كانت إلا بشؤمك ، وذلك أن المنافقين واليهود كانوا إذا أصابهم خير حمدوا الله تعالى ، وإذا أصابهم مكروه نسبوه إلى محمد صلى الله عليه وسلم فكذبهم الله تعالى بقوله { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } والمضاف إليه محذوف أي كل ذلك فهو يبسط الأرزاق ويقبضها { فَمَالِ هَـؤُلاء ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ } يفهمون { حَدِيثاً } فيعلمون أن الله هو الباسط القابض وكل ذلك صادر عن حكمة . ثم قال { مَا أَصَابَكَ } يا إنسان خطاباً عاماً . وقال الزجاج : المخاطب به النبي عليه السلام والمراد غيره { مِنْ حَسَنَةٍ } من نعمة وإحسان { فَمِنَ ٱللَّهِ } تفضلاً منه وامتناناً { وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ } من بلية ومصيبة { فَمِن نَّفْسِكَ } فمن عندك أي فبما كسبت يداك . { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فِيمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] . { وَأَرْسَلْنَـٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً } لا مقدراً حتى نسبوا إليك الشدة ، أو أرسلناك للناس رسولاً فإليك تبليغ الرسالة وليس إليك الحسنة والسيئة { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } بأنك رسوله ، وقيل : هذا متصل بالأول أي يكادون يفقهون حديثاً يقولون ما أصابك . وحمل المعتزلة الحسنة والسيئة في الآية الثانية على الطاعة والمعصية تعسف بيّن وقد نادى عليه ما أصابك إذ يقال في الأفعال « ما أصبت » ولأنهم لا يقولون الحسنات من الله خلقاً وإيجاداً فأنى يكون لهم حجة في ذلك ؟ « وشهيداً » تمييز . { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } لأنه لا يأمر ولا ينهى إلا بما أمر الله به ونهى عنه ، فكانت طاعته في أوامره ونواهيه طاعة لله { وَمَن تَوَلَّىٰ } عن الطاعة فأعرض عنه { فَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } تحفط عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم . { وَيَقُولُونَ } ويقول المنافقون إذا أمرتهم بشيء { طَاعَةٌ } خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا وشأننا طاعة { فَإِذَا بَرَزُواْ } خرجوا { مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ } زور وسوّى فهو من البيتوتة لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل ، أو من أبيات الشعر لأن الشاعر يدبرها ويسويها . وبالإدغام : حمزة وأبو عمرو . { غَيْرَ ٱلَّذِى تَقُولُ } خلاف ما قلت وما أمرت به أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة ، لأنهم أبطنوا الرد لا القبول والعصيان لا الطاعة وإنما ينافقون بما يقولون ويظهرون . { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ } يثبته في صحائف أعمالهم ويجازيهم عليه { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ولا تحدث نفسك بالانتقام منهم { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } في شأنهم فإن الله يكفيك مضرتهم وينتقم لك منهم إذا قوي أمر الإسلام { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } كافياً لمن توكل عليه { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ } أفلا يتأملون معانيه ومبانيه . والتدبر : التأمل والنظر في أدبار الأمر وما يؤول إليه في عاقبته ثم استعمل في كل تأمل . والتفكر : تصرف القلب بالنظر في الدلائل وهذا يرد قول من زعم من الروافض أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام المعصوم ، ويدل على صحة القياس وعلى بطلان التقليد . { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ } كما زعم الكفار { لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } أي تناقضاً من حيث التوحيد والتشريك والتحليل والتحريم ، أو تفاوتاً من حيث البلاغة فكان بعضه بالغاً حد الإعجاز وبعضه قاصراً عنه يمكن معارضته ، أو من حيث المعاني فكان بعضه إخباراً بغيب قد وافق المخبر عنه ، وبعضه إخباراً مخالفاً للمخبر عنه ، وبعضه دالاً على معنى صحيح عند علماء المعاني ، وبعضه دالاً على معنى فاسد غير ملتئم . وأما تعلق الملحدة بآيات يدعون فيها اختلافاً كثيراً من نحو قوله : { فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [ الأعراف : 107 ] { كَأَنَّهَا جَانٌّ } [ النمل : 10 ] { فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 92 ] . { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } [ الرحمن : 39 ] . فقد تفصى عنها أهل الحق وستجدها مشروحة في كتابنا هذا في مظانها إن شاء الله تعالى : { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلأمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ } هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم يكن فيهم خبرة بالأحوال ، أو المنافقون كانوا إذا بلغهم خبر من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل { أَذَاعُواْ بِهِ } أفشوه وكانت إذاعتهم مفسدة . يقال : أذاع السرع وأذاع به ، والضمير يعود إلى الأمر أو إلى الأمن أو الخوف لأن « أو » تقتضي أحدهما { وَلَوْ رَدُّوهُ } أي ذلك الخبر { إِلَى ٱلرَّسُولِ } أي رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْهُمْ } يعني كبراء الصحابة البصراء بالأمور أو الذين كانوا يؤمِّرون منهم { لَعَلِمَهُ } لعلم تدبير ما أخبروا به { ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكائدها ، وقيل : كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء ، أو على خوف واستشعار فيذيعونه فينتشر فيبلغ الأعداء فتعود إذاعتهم مفسدة ، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا ، لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون فيه . والنَبط : الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر ، واستنباطه استخراجه فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } بإرسال الرسول { وَرَحْمَتُهُ } بإنزال الكتاب { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ } لبقيتم على الكفر { إِلاَّ قَلِيلاً } لم يتبعوه ولكن آمنوا بالعقل كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وغيرهما . لما ذكر في الآي قبلها تثبطهم عن القتال وإظهارهم الطاعة وإضمارهم خلافها قال { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } إن أفردوك وتركوك وحدك { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } غير نفسك وحدها أن تقدمها إلى الجهاد فإن الله تعالى ناصرك لا الجنود ، وقيل : دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج وكان أبو سفيان واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللقاء فيها فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت ، فخرج وما معه إلا سبعون ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده { وَحَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وما عليك في شأنهم إلا التحريض على القتال فحسب لا التعنيف بهم { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بطشهم وشدتهم وهم قريش وقد كف بأسهم بالرعب فلم يخرجوا . و « عسى » كلمة مطمعة غير أن أطماع الكريم أعود من إنجـاز اللئيم { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً } من قريش { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } تعذيباً وهو تمييز كـ « بأساً » .