Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-10)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حـم } وما بعده بالإمالة : حمزة وعلي وخلف ويحيـى وحماد ، وبني الفتح والكسر : مدني ، وغيرهم بالتفخيم ، وعن ابن عباس أنه اسم الله الأعظم { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي هذا تنزيل الكتاب { مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ } أي المنيع بسلطانه عن أن يتقول عليه متقول { ٱلْعَلِيمِ } بمن صدق به وكذب ، فهو تهديد للمشركين وبشارة للمؤمنين { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } ساتر ذنب المؤمنين { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } قابل توبة الراجعين { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } على المخالفين { ذِى ٱلطَّوْلِ } ذي الفضل على العارفين أو ذي الغنى عن الكل ، وعن ابن عباس : غافر الذنب وقابل التوب لمن قال لا إله إلا الله ، شديد العقاب لمن لا يقول لا إله إلا الله . والتوب والثوب والأوب أخوات في معنى الرجوع ، والطول الغنى والفضل ، فإن قلت : كيف اختلفت هذه الصفات تعريفاً وتنكيراً والموصوف معرفة ؟ قلت : أما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان لأنه لم يرد بهما حدوث الفعلين حتى يكونا في تقدير الانفصال فتكون إضافتهما غير حقيقية . وإنما أريد ثبوت ذلك ودوامه ، وأما شديد العقاب فهو في تقدير شديد عقابه فتكون نكرة ، فقيل هو بدل . وقيل : لما وجدت هذه النكرة بين هذه المعارف آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف . وإدخال الواو في { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } لنكتة وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين : بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات ، وأن يجعلها محّاءة للذنوب كأن لم يذنب كأنه قال : جامع المغفرة والقبول ، ورُوي أن عمر رضي الله عنه افتقد رجلاً ذا بأس شديد من أهل الشام ، فقيل له : تتابع في هذا الشراب ، فقال عمر لكاتبه : اكتب من عمر إلى فلان : سلام عليك وأنا أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . بسم الله الرحمن الرحيم { حـم } إلى قوله { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } . وختم الكتاب قال لرسوله : لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً ، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة . فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني الله أن يغفر لي وحذرني عقابه ، فلم يبرح يرددها حتى بكى ، ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته . فلما بلغ عمر أمره قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه ووقفوه وادعوا له الله أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعواناً للشياطين عليه . { لآ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } صفة أيضاً لـ { ذِى ٱلطَّوْلِ } ويجوز أن يكون مستأنفاً { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } المرجع { مَا يُجَـٰدِلُ فِى ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ما يخاصم فيها بالتكذيب بها والإنكار لها ، وقد دل على ذلك في قوله { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } [ غافر : 5 ] فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها وحل مشكلها واستنباط معانيها ورد أهل الزيغ بها فأعظم جهاد في سبيل الله { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ } بالتجارات النافقة والمكاسب المربحة سالمين غانمين فإن عاقبة أمرهم إلى العذاب ، ثم بين كيف ذلك فأعلم أن الأمم الذين كذبت قبلهم أهلكت فقال { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } نوحاً { وَٱلأَحْزَابُ } أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم وهم عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم { مِّن بَعْدِهِمْ } من بعد قوم نوح { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ } من هذه الأمم التي هي قوم نوح والأحزاب { بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } ليتمكنوا منه فيقتلوه . والأخيذ : الأسير { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ } بالكفر { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } ليبطلوا به الإيمان { فَأَخَذَتْهُمْ } مظهر : مكي وحفص يعني أنهم قصدوا أخذه فجعلت جزاءهم على إرادة أخذ الرسل أن أخذتهم فعاقبتهم { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } وبالياء : يعقوب . أي فإنكم تمرون على بلادهم فتعاينون أثر ذلك ، وهذا تقرير فيه معنى التعجيب { وَكَذٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } { كَلِمَـٰتُ رَبكَ } مدني وشامي { أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } في محل الرفع بدل من { كلمة ربك } أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار ، ومعناه كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل كذلك وجب إهلاكهم بعذاب النار في الآخرة . أو في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قريش ، ومعناه كما وجب إهلاك أولئك الأمم كذلك وجب إهلاك هؤلاء ؛ لأن علة واحدة تجمعهم أنهم من أصحاب النار ، ويلزم الوقف على النار . لأنه لو وصل لصار { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } يعني حاملي العرش والحافين حوله وهم الكروبيون سادة الملائكة صفة لأصحاب النار وفساده ظاهر . رُوي أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورءوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وفي الحديث " إن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة " وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ، ومن ورائهم سبعون ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل ما منهم أحد إلا وهو « يسبح بما لا يسبح به الآخر » . { يُسَبِّحُونَ } خبر المبتدأ وهو { ٱلَّذِينَ } { بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي مع حمده إذ الباء تدل على أن تسبيحهم بالحمدلة { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } وفائدته مع علمنا بأن حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمده مؤمنون إظهار شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه كما وصف الأنبياء في غير موضع بالصلاح لذلك ، وكما عقب أعمال الخير بقوله : { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } [ البلد : 17 ] . فأبان بذلك فضل الإيمان ، وقد روعي التناسب في قوله : { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } . { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } كأنه قيل : ويؤمنون به ويستغفرون لمن في مثل حالهم ، وفيه دليل على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة والشفقة ، وإن تباعدت الأجناس والأماكن { رَبَّنَا } أي يقولون ربنا وهذا المحذوف حال { وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } والرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى ، إذ الأصل وسع كل شيء رحمتك وعلمك ، ولكن أزيل الكلام عن أصله بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم وأخرجا منصوبين على التمييز مبالغة في وصفه بالرحمة والعلم { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ } أي للذين علمت منهم التوبة لتناسب ذكر الرحمة والعلم { وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } أي طريق الهدى الذي دعوت إليه { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ } « من » في موضع نصب عطف على « هم » في { وَأَدْخِلْهُمْ } أو في { وَعَدْتَّهُمْ } والمعنى وعدتهم ووعدت من صلح من آبائهم { وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي الملك الذي لا يغلب ، وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئاً خالياً من الحكمة وموجب حكمتك أن تفي بوعدك { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَـٰتِ } أي جزاء السيئات وهو عذاب النار { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ } أي رفع العذاب { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ } أي يوم القيامة إذا دخلوا النار ومقتوا أنفسهم فيناديهم خزنة النار { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } أي لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم ، فاستغنى بذكرها مرة ، والمقت أشد البغض ، وانتصاب { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ } بالمقت الأول عند الزمخشري ، والمعنى أنه يقال لهم يوم القيامة : كان الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر أشد مما تمقتونهن اليوم ، وأنتم في النار إذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن ، وقيل : معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ العنكبوت : 25 ] ، و { إِذْ تَدْعُونَ } تعليل ، وقال جامع العلوم وغيره : « إذ » منصوب بفعل مضمر دل عليه { لَمَقْتُ ٱللَّهِ } أي يمقتهم الله حين دعوا إلى الإيمان فكفروا ، ولا ينتصب بالمقت الأول لأن قوله { لَمَقْتُ ٱللَّهِ } مبتدأ وهو مصدر وخبره { أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } ، فلا يعمل في { إِذْ تَدْعُونَ } ؛ لأن المصدر إذا أخبر عنه لم يجز أن يتعلق به شيء يكون في صلته لأن الإخبار عنه يؤذن بتمامه ، وما يتعلق به يؤذن بنقصانه ، ولا بالثاني لاختلاف الزمانين ، وهذا لأنهم مقتوا أنفسهم في النار وقد دعوا إلى الإيمان في الدنيا { فَتَكْفُرُونَ } فتصرون على الكفر .