Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 11-21)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } أي إماتتين وإحياءتين أو موتتين وحياتين ، وأراد بالإماتتين خلقهم أمواتاً أولاً وإماتتهم عند انقضاء آجالهم ، وصح أن يسمى خلقهم أمواتاً إماتة ، كما صح أن يقال : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل ، وليس ثمة نقل من كبر إلى صغر ، ولا من صغر إلى كبر ، والسبب فيه أن الصغر والكبر جائزان على المصنوع الواحد ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه . وبالإحياءتين : الإحياءة الأولى في الدنيا ، والإحياءة الثانية البعث ، ويدل عليه قوله : { وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] . وقيل : الموتة الأولى في الدنيا ، والثانية في القبر بعد الإحياء للسؤال ، والإحياء الأول إحياؤه في القبر بعد موته للسؤال ، والثاني للبعث { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } لما رأوا الإماتة والإحياء قد تكررا عليهم علموا أن الله قادر على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء ، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ } من النار . أي إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء لنتخلص { مِّن سَبِيلٍ } قط أم اليأس واقع دون ذلك فلا خروج ولا سبيل إليه ، وهذا كلام من غلب عليه اليأس وإنما يقولون ذلك تحيراً ، ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك وهو قوله { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } أي ذلكم الذي أنتم فيه وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط بسبب كفركم بتوحيد الله وإيمانكم بالإشراك به { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ } حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد { ٱلْعَلِىِّ } شأنه ، فلا يرد قضاؤه { ٱلْكَبِيرِ } العظيم سلطانه ، فلا يحد جزاؤه ، وقيل : كأن الحرورية أخذوا قولهم : لا حكم إلا لله من هذا . وقال قتادة : لما خرج أهل حروراء قال علي رضي الله عنه : من هؤلاء ؟ قيل : المحكمون . أي يقولون : لا حكم إلا لله ، فقال علي رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل . { هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ } من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } وبالتخفيف : مكي وبصري { رِزْقاً } مطراً ؛ لأنه سبب الرزق { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } وما يتعظ وما يعتبر بآيات الله إلا من يتوب من الشرك ويرجع إلى الله ، فإن المعاند لا يتذكر ولا يتعظ ، ثم قال للمنيبين : { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ } فاعبدوه { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } من الشرك { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } وإن غاظ ذلك أعداءكم ممن ليس على دينكم { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَـٰتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِى ٱلرُّوحَ } ثلاثة أخبار لقوله هو مرتبة على قوله : { الذى يريكم } . أو أخبار مبتدأ محذوف ، ومعنى رفيع الدرجات رافع السماوات بعضها فوق بعض ، أو رافع درجات عباده في الدنيا بالمنزلة ، أو رافع منازلهم في الجنة . وذو العرش مالك عرشه الذي فوق السماوات خلقه مطافاً للملائكة إظهاراً لعظمته مع استغنائه في مملكته ، والروح جبريل عليه السلام ، أو الوحي الذي تحيا به القلوب { مِنْ أَمْرِهِ } من أجل أمره أو بأمره { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ } أي الله أو الملقى عليه وهو النبي عليه السلام ويدل عليه قراءة يعقوب { لّتُنذِرَ } { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } يوم القيامة لأنه يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض والأولون والآخرون . { التلاقي } : مكي ويعقوب { يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ } ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ } أي من أعمالهم وأحوالهم { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } أي يقول الله تعالى ذلك حين لا أحد يجيبه ، ثم يجيب نفسه بقوله { للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي الذي قهر الخلق بالموت ، وينتصب { ٱلْيَوْمَ } بمدلول { لِمَنْ } أي لمن ثبت الملك في هذا اليوم ، وقيل : ينادي منادٍ فيقول : لمن الملك اليوم فيجيبه أهل المحشر : لله الواحد القهار . { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } لما قرر أن الملك لله وحده في ذلك اليوم عدد نتائج ذلك وهي أن كل نفس تجزى بما كسبت عملت في الدنيا من خير وشر ، وأن الظلم مأمون منه لأنه ليس بظلام للعبيد ، وأن الحساب لا يبطيء لأنه لا يشغله حساب عن حساب ، فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو أسرع الحاسبين { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلآزِفَةِ } أي القيامة سميت بها لأزوفها أي لقربها ، ويبدل من يوم الآزفة { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } أي التراقي يعني ترتفع قلوبهم عن مقارها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروّحوا { كَـٰظِمِينَ } ممسكين بحناجرهم . من كظم القربة شد رأسها ، وهو حال من القلوب محمول على أصحابها ، أو إنما جمع الكاظم جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء { مَا لِلظَّـٰلِمِينَ } الكافرين { مِنْ حَمِيمٍ } محب مشفق { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } أي يشفع وهو مجاز عن الطاعة ، لأن الطاعة حقيقة لا تكون إلا لمن فوقك ، والمراد نفي الشفاعة والطاعة كما في قوله : @ ولا ترى الضب بها ينجحر @@ يريد نفي الضب وانجحاره ، وإن احتمل اللفظ انتفاء الطاعة دون الشفاعة ، فعن الحسن : والله ما يكون لهم شفيع البتة . { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة والمراد استراق النظر إلى ما لا يحل { وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ } وما تسره من أمانة وخيانة ، وقيل : هو أن ينظر إلى أجنبية بشهوة مسارقة ، ثم يتفكر بقلبه في جمالها ولا يعلم بنظرته وفكرته من بحضرته ، والله يعلم ذلك كله ويعلم خائنة الأعين خبر من أخبار هو في قوله : { هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ } . مثل { يُلْقِى ٱلرُّوحَ } ولكن يلقي الروح قد علل بقوله : { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } ثم استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } فبعد لذلك عن أخواته { وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقِّ } أي والذي هذه صفاته لا يحكم إلا بالعدل { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَىْءٍ } وآلهتهم لا يقضون بشيء ، وهذا تهكم بهم لأن ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه يقضي أو لا يقضي . { تَدْعُونَ } نافع { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } تقرير لقوله { يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ } ، ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون ، وأنه يعاقبهم عليه ، وتعريض بما يدعون من دونه وأنها لا تسمع ولا تبصر { أَوَ لَمْ يَسِيروُاْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ } أي آخر أمر الذين كذبوا الرسل من قبلهم { كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } « هم » فصل ، وحقه أن يقع بين معرفتين إلا أن أشد منهم ضارع المعرفة في أنه لا تدخله الألف واللام ، فأجري مجراه . { مّنكُمْ } : شامي . { وَءَاثَاراً فِى ٱلأَرْضِ } أي حصوناً وقصوراً { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } عاقبهم بسبب ذنوبهم { وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } ولم يكن لهم شيء يقيهم من عذاب الله .