Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 52-77)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } هذا بدل من { يَوْمَ يَقُومُ } أي لا يقبل عذرهم . { لاَّ ينفَعُ } كوفي ونافع { وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ } البعد من رحمة الله { وَلَهُمْ سُوءُ ٱلدَّارِ } أي سوء دار الآخرة وهو عذابها { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ } يريد به جميع ما أتى به في باب الدين من المعجزات والتوراة والشرائع { وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرٰءَيلَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراة والإنجيل والزبور لأن الكتاب جنس أي تركنا الكتاب من بعد هذا إلى هذا { هُدًى وَذِكْرَىٰ } إرشاداً وتذكرة ، وانتصابهما على المفعول له أو على الحال { لأُِوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } لذوي العقول . { فَٱصْبِرْ } على ما يجرعك قومك من الغصص { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني إن ما سبق به وعدي من نصرتك وإعلاء كلمتك حق { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } أي لذنب أمتك { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِبْكَارِ } أي دم على عبادة ربك والثناء عليه . وقيل : هما صلاتا العصر والفجر . وقيل : قل سبحان الله وبحمده . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ } لا وقف عليه لأن خبر « إن » { إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } تعظم وهو إرادة التقدم والرياسة وأن لا يكون أحد فوقهم ، فلهذا عادوك ودفعوا آياتك خيفة أن تتقدمهم ويكونوا تحت يدك وأمرك ونهيك لأن النبوة تحتها كل ملك ورياسة ، أو إرادة أن تكون لهم النبوة دونك حسداً وبغياً وبدل عليه قوله : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] أو إرادة دفع الآيات بالجدل { مَّـا هُم بِبَـٰلِغِيهِ } ببالغي موجب الكبر ومقتضيه وهو متعلق إرادتهم من الرياسة أو النبوة أو دفع الآيات { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } فالتجيء إليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لم تقول ويقولون { ٱلبَصِيرُ } بما تعمل ويعملون فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم . { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } لما كانت مجادلتهم في آيات الله مشتملة على إنكار البعث ، وهو أصل المجادلة ومدارها حجوا بخلق السماوات الأرض لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقها فإن من قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الإنسان مع مهانته أقدر . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } لأنهم لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم . { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَلاَ ٱلْمُسِىءُ } « لا » زائدة { قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } تتعظون بتاءين : كوفي ، وبياء وتاء : غيرهم ، و { قَلِيلاً } صفة مصدر محذوف أي تذكراً قليلاً يتذكرون و « ما » صلة زائدة . { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } لا بد من مجيئها وليس بمرتاب فيها لأنه لا بد من جزاء لئلا يكون خلق الخلق للفناء خاصة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } لا يصدقون بها { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى } اعبدوني { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } أثبكم فالدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ويدل عليه قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى } وقال عليه السلام : " الدعاء هو العبادة " وقرأ هذه الآية صلى الله عليه وسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : وحدوني أغفر لكم وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد . وقيل : سلوني أعطكم { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ } { سيُدخلون } مكي وأبو عمرو . { دٰخِرِينَ } صاغرين . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } هو من الإسناد المجازي أي مبصراً فيه لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار . وقرن { ٱلَّيْلَ } بالمفعول له و { ٱلنَّهَارَ } بالحال ولم يكونا حالين أو مفعولاً لهما رعاية لحق المقابلة لأنهما متقابلان معنى ، لأن كل واحد منهما يؤدي مؤدى الآخر ، ولأنه لو قيل لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازي ، ولو قيل ساكناً لم تتميز الحقيقة من المجاز إذ الليل يوصف بالسكون على الحقيقة ، ألا ترى إلى قولهم ليل ساجٍ أي ساكن لا ريح فيه { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } ولم يقل لمفضل أو لمتفضل لأن المراد تنكير الفضل وأن يجعل فضلاً لا يوازيه فضل وذلك إنما يكون بالإضافة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } ولم يقل « ولكن أكثرهم » حتى لا يتكرر ذكر الناس لأن في هذا التكرير تخصيصاً لكفران النعمة بهم وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه كقوله : { إِنَّ ٱلإِنْسَـٰنَ لَكَفُورٌ } [ الحج : 66 ] . وقوله : { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] . { ذٰلِكُمُ } الذي خلق لكم الليل والنهار { ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَـٰلِقُ كُـلِّ شَىْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أخبار مترادفة أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الربوبية والإلهية وخلق كل شيء والوحدانية { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان ؟ { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يطلب الحق أفك كما أفكوا . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً } مستقراً { وَٱلسَّمَآءَ بِنَاءً } سقفاً فوقكم { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } قيل : لم يخلق حيواناً أحسن صورة من الإنسان . وقيل : لم يخلقهم منكوسين كالبهائم { وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } اللذيذات { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَـٰرَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ هُوَ ٱلْحَىُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ } فاعبدوه { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي الطاعة من الشرك والرياء قائلين { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين . ولما طلب الكفار منه عليه السلام عبادة الأوثان نزل { قُلْ إِنِّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِى ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّى } هي القرآن وقيل العقل والوحي { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ } أستقيم وأنقاد { لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ } أي أصلكم { مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } اقتصر على الواحد لأن المراد بيان الجنس { ثُمَّ لِتَـبْلُغُواْ أَشُدَّكُـمْ } متعلق بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً } وبكسر الشين : مكي وحمزة وعلي وحماد ويحيـى والأعشى { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ } أي من قبل بلوغ الأشد أو من قبل الشيوخة { وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى } معناه ويفعل ذلك لتبلغوا أجلاً مسمى وهو وقت الموت أو يوم القيامة { وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } ما في ذلك من العبر والحجج { هُوَ ٱلَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } أي فإنما يكوّنه سريعاً من غير كلفة . { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } ذكر الجدال في هذه السورة في ثلاثة مواضع فجاز أن يكون في ثلاثة أقوام أو ثلاثة أصناف أو للتأكيد { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَـٰبِ } بالقرآن { وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } من الكتاب { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ ٱلاْغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } « إذا » ظرف زمان ماضٍ والمراد به هنا الاستقبال كقوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وهذا لأن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى مقطوعاً بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد ، والمعنى على الاستقبال { وٱلسَّلَـٰسِلُ } عطف على { ٱلأغْلَـٰلَ } والخبر { فِى أَعْنـٰقِهِمْ } والمعنى إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم { يُسْحَبُونَ فِى ٱلْحَمِيمِ } يجرون في الماء الحار { ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ومعناه أنهم في النار فهي محيطة بهم وهم مسجورون بالنار مملوءة بها أجوافهم { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ } أي تقول لهم الخزنة { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني الأصنام التي تعبدونها { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا } غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } أي تبين لنا أنهم لم يكونوا شيئاً وما كنا نعبد بعبادتهم شيئاً كما تقول : حسبت أن فلاناً شيء فإذا هو ليس بشيء إذا خبرته فلم تر عنده خيراً . { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَـٰفِرِينَ } مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلون عن آلهتهم حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا ، أو كما أضل هؤلاء المجادلين يضل سائر الكافرين الذين علم منهم اختيار الضلالة على الدين { ذٰلِكُمْ } العذاب الذي نزل بكم { بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق وهو الشرك وعبادة الأوثان فيقال لهم { ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ } السبعة المقسومة لكم . قال الله تعالى : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ } [ الحجر : 44 ] . { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقدرين الخلود { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } عن الحق جهنم { فَٱصْبِرْ } يا محمد { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } بإهلاك الكفار { حَقٌّ } كائن { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ } أصله فإن نريك و « ما » مزيدة لتوكيد معنى الشرط ولذلك ألحقت النون بالفعل ، ألا تراك لا تقول إن تكرمني أكرمك ولكن إما تكرمني أكرمك { بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } هذا الجزاء متعلق بـ { نَتَوَفَّيَنَّكَ } وجزاء { نُرِيَنَّكَ } محذوف وتقديره وإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب وهو القتل يوم بدر فذاك ، أو إن نتوفينك قبل يوم بدر فإلينا يرجعون يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام .