Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 35-51)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ } بدل من { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } وجاز إبداله منه وهو جمع لأنه لا يريد مسرفاً واحداً بل كل مسرف { فِى ءَايَٰتِ الله } في دفعها وإبطالها { بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ } حجة { أَتَـٰهُمْ كَبُرَ مَقْتاً } أي عظم بغضاً ، وفاعل { كَبُرَ } ضمير { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } وهو جمع معنى وموحد لفظاً فحمل البدل على معناه والضمير الراجع إليه على لفظه ، ويجوز أن يرفع { ٱلَّذِينَ } على الابتداء ، ولا بد في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في { كَبُرَ } تقديره جدال الذين يجادلون كبر مقتاً { عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } . { قَلْبٍ } بالتنوين : أبو عمرو . وإنما وصف القلب بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كما تقول : سمعت الأذن وهو كقوله : { فإنه آثم قلبه } [ البقرة : 283 ] وإن كان الآثم هو الجملة . { وَقَالَ فِرْعَوْنُ } تمويهاً على قومه أو جهلاً منه { يٰهَـٰمَـٰنُ ٱبْنِ لِى صَرْحاً } أي قصراً . وقيل الصرح : البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد ، ومنه يقال : صرح الشيء إذا ظهر { لَّعَـلِّى } وبفتح الياء : حجازي وشامي وأبو عمرو { أَبْلُغُ ٱلأَسْبَـٰبَ } ثم أبدل منها تفخيماً لشأنها وإبانة أنه يقصد أمراً عظيماً { أَسْبَـٰبَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ } أي طرقها وأبوابها وما يؤدي إليها وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه { فَأَطَّلِعَ } بالنصب : حفص على جواب الترجي تشبيهاً للترجي بالتمني . وغيره بالرفع عطفاً على { أبلغ } { إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } والمعنى فأنظر إليه { وَإِنِّى لأَظُنُّهُ } أي موسى { كَـٰذِباً } في قوله له إله غيري { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك التزيين وذلك الصد { زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءَ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } المستقيم . وبفتح الصاد : كوفي ويعقوب أي غيره صداً أو هو بنفسه صدوداً . والمزين الشيطان بوسوسته كقوله : { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [ النمل : 24 ] . أو الله تعالى ، ومثله : { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } [ النمل : 4 ] { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ } خسران وهلاك . { وَقَالَ ٱلَّذِى ءَامَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ } { اتبعوني } في الحالين : مكي ويعقوب وسهل . { أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } وهو نقيض الغي ، وفيه تعريض شبيه بالتصريح أن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي . أجمل أولاً ، ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها بقوله { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَـٰعٌ } تمتع يسير ، فالإخلاد إليها أصل الشر ومنبع الفتن وثنى بتعظيم الآخرة وبين أنها هي الوطن والمستقر بقوله { وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } ثم ذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف بقوله : { مَنْ عَمِـلَ سَـيَّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } { يُدخلون } مكي وبصري ويزيد وأبو بكر ، ثم وازن بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي ثمرته الجنات ، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار بقوله { وَيٰقَوْمِ مَالِيَ } وبفتح الياء : حجازي وأبو عمرو { أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلنَّجٱوةِ } أي الجنة { وَتَدْعُونَنِى إِلَى ٱلنَّارِ تَدْعُونَنِى لأكْـفُرَ بِٱللَّهِ } هو بدل من { تَدْعُونَنِى } الأول يقال : دعاه إلى كذا ودعاه له كما يقال هداه إلى الطريق وهداه له { وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } أي بربوبيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال : وأشرك به ما ليس بإله وما ليس بإله كيف يصح أن يعلم إلهاً { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } وهو الله سبحانه وتعالى ، وتكرير النداء لزيادة التنبيه لهم والإيقاظ عن سنة الغفلة ، وفيه أنهم قومه وأنه من آل فرعون . وجيء بالواو في النداء الثالث دون الثاني ، لأن الثاني داخل على كلام هو بيان للمجمل وتفسير له بخلاف الثالث . { لاَ جَرَمَ } عند البصريين لا رد لما دعاه إليه قومه ، و « جرم » فعل بمعنى حق و « أن » مع ما في حيزه فاعله أي حق ووجب بطلان دعوته { أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِى ٱلآخِرَةِ } معناه أن تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط أي من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته ، وما تدعون إليه وإلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعي الربوبية ، أو معناه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة أو دعوة مستجابة ، جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة ، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة كما سمي الفعل المجازي عليه بالجزاء في قوله : « كما تدين تدان » { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى ٱللَّهِ } وأن رجوعنا إليه { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ } وأن المشركين { هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ } أي من النصيحة عند نزول العذاب { وَأُفَوِّضُ } وأسلم { أَمْرِى } وبفتح الياء : مدني وأبو عمرو { إِلَى ٱللَّهِ } لأنهم توعدوه { إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } بأعمالهم ومالهم { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } شدائد مكرهم وما هموا به من إلحاق أنواع العذاب بمن خالفهم ، وقيل : إنه خرج من عندهم هارباً إلى جبل فبعث قريباً من ألف في طلبه فمنهم من أكلته السباع ومن رجع منهم صلبه فرعون { وَحَاقَ } ونزل . { بِأَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ ٱلعَذَابِ ٱلنَّارُ } بدل من { سُوءُ ٱلْعَذَابِ } أو خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل : ما سوء العذاب ؟ فقيل : هو النار ، أو مبتدأ خبره { يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } وعرضهم عليها إحراقهم بها يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به . { غُدُوّاً وَعَشِيّاً } أي في هذين الوقتين يعذبون بالنار ، وفيما بين ذلك إما أن يعذبوا بجنس آخر أو ينفس عنهم ، ويجوز أن يكون غدواً وعشياً عبارة عن الدوام هذا في الدنيا { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } يقال لخزنة جهنم { أَدْخلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ } من الإدخال : مدني وحمزة وعلي وحفص وخلف ويعقوب ، وغيرهم { أدخلوا } أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون { أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } أي عذاب جهنم ، وهذه الآية دليل على عذاب القبر . { وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ } واذكر وقت تخاصمهم { فِى ٱلنَّـارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰؤُا لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } يعني الرؤساء { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } تباعاً كخدم في جمع خادم { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ } دافعون { عَنَّا نَصِيباً } جزاءً { مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَا } التنوين عوض من المضاف إليه أي إنا كلنا فيها لا يغني أحد عن أحد { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } قضى بينهم بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِى ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ } للقُوَّام بتعذيب أهلها . وإنما لم يقل « لخزنتها » لأن في ذكر جهنم تهويلاً وتفظيعاً ، ويحتمل أن جهنم هي أبعد النار قعراً من قولهم « بئر جهنّام » بعيدة القعر وفيها أعتى الكفار وأطغاهم ، فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله تعالى فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً } بقدر يوم من الدنيا { مِّنَ ٱلْعَذَابِ قَالُواْ } أي الخزنة توبيخاً لهم بعد مدة طويلة { أَوَلَمْ تَكُ } أي ولم تك قصة ، وقوله { تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم } تفسير للقصة { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } بالمعجزات { قَالُواْ } أي الكفار { بَلَىٰ قَالُواْ } أي الخزنة تهكماً بهم { فَٱدْعُواْ } أنتم ولا استجابة لدعائكم { وَمَا دُعَٰؤُا ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ } بطلان وهو من قول الله تعالى ، ويحتمل أن يكون من كلام الخزنة . { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ } أي في الدنيا والآخرة يعني أنه يغلبهم في الدارين جميعاً بالحجة والظفر على مخالفيهم وإن غلبوا في الدنيا في بعض الأحايين امتحاناً من الله والعاقبة لهم ، ويتيح الله من يقتص من أعدائهم ولو بعد حين . و { يوم } نصب محمول على موضع الجار والمجرور كما تقول جئتك في أمس واليوم ، والأشهاد جمع شاهد كصاحب وأصحاب يريد الأنبياء والحفظة ، فالأنبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب والحفظة يشهدون على بني آدم بما عملوا من الأعمال . { تَقُومُ } بالتاء : الرازي عن هشام