Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 11-21)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } هو مجاز عن إيجاد الله تعالى السماء على ما أراد ، تقول العرب : فعل فلان كذا . ثم استوى إلى عمل كذا يريدون أنه أكمل الأول وابتدأ الثاني ، ويفهم منه أن خلق السماء كان بعد خلق الأرض وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما ، وعنه أنه قال : أول ما خلق الله تعالى جوهرة طولها وعرضها مسيرة ألف سنة في مسيرة عشرة آلاف سنة فنظر إليها بالهيبة فذابت واضطربت ، ثم ثار منها دخان بتسليط النار عليها فارتفع واجتمع زبد فقام فوق الماء فجعل الزبد أرضاً والدخان سماء . ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما أنه أراد أن يكونهما فلم يمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما ، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الآمر المطاع . وإنما ذكر الأرض مع السماء في الأمر بالإتيان والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين لأنه قد خلق جرم الأرض أولاً غير مدحوة ثم دحاها بعد خلق السماء كما قال : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } [ النازعات : 30 ] فالمعنى أن ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف ، ائتي يا أرض مدحوة قراراً ومهاداً لأهلك وائتي يا سماء مقبية سقفاً لهم . ومعنى الإتيان الحصول والوقوع كما تقول أتى عمله مرضياً ، وقوله { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } لبيان تأثير قدرته فيهما وأن امتناعهما من تأثير قدرته محال كما تقول لمن تحت يدك . لتفعلن هذا شئت أو أبيت ، ولتفعلنه طوعاً أو كرهاً . وانتصابهما على الحال بمعنى طائعتين أو مكرهتين . وإنما لم يقل طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى لأنهما سموات وأرضون لأنهن لما جعلن مخاطبات ومجيبات ووصفن بالطوع والكره . قيل : طائعين في موضع طائعات كقوله { سَـٰجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] . { فَقَضَاهُنَّ } فأحكم خلقهن . قال : @ وعليهما مسرودتان قضاهما @@ والضمير يرجع إلى السماء لأن السماء للجنس ، ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسراً بقوله { سَبْعَ سَمَـٰوٰتٍ } . والفرق بين النصبين في { سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } أن الأول على الحال والثاني على التمييز { فِى يَوْمَيْنِ } في يوم الخميس والجمعة { وَأَوْحَىٰ فِى كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } ما أمر به فيها ودبره من خلق الملائكة والنيران وغير ذلك { وَزَيَّنَّآ ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا } القريبة من الأرض { بِمَصَـٰبِيحَ } بكواكب { وَحِفْظاً } وحفظناها من المسترقة بالكواكب حفظاً { ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } الغالب غير المغلوب { ٱلْعَلِيمِ } بمواقع الأمور . { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } عن الإيمان بعد هذا البيان { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ } خوفتكم { صَـٰعِقَةً } عذاباً شديد الوقع كأنه صاعقة وأصلها رعد معه نار { مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي أتوهم من كل جانب وعملوا فيهم كل حيلة فلم يروا منهم إلا الإعراض . وعن الحسن : أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة { أَن } بمعنى « أي » أو مخففة من الثقيلة أصله بأنه { لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ } أي القوم { لَوْ شَآءَ رَبُّنَا } إرسال الرسل فمفعول { شَاء } محذوف { لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } معناه فإذا أنتم بشر ولستم بملائكة فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به ، وقوله { أُرْسِلْتُمْ بِهِ } ليس بإقرار بالإرسال وإنما هو على كلام الرسل وفيه تهكم كما قال فرعون : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] وقولهم : { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } . خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم . رُوي أن قريشاً بعثوا عتبة بن ربيعة وكان أحسنهم حديثاً ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وينظر ما يريد ، فأتاه وهو في الحطيم فلم يسأل شيئاً إلا أجابه ثم قرأ عليه السلام السورة إلى قوله { مّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } فناشده بالرحم وأمسك على فيه ووثب مخافة أن يصب عليهم العذاب فأخبرهم به وقال : لقد عرفت السحر والشعر فوالله ما هو بساحر ولا بشاعر فقالوا : لقد صبأت أما فهمت منه كلمة ؟ فقال : لا ولم أهتد إلى جوابه . فقال عثمان بن مظعون : ذلك والله لتعلموا أنه من رب العالمين . ثم بين ما ذكر من صاعقة عاد وثمود فقال { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي تعظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظيم وهو القوة وعظم الأجرام ، أو استولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم ، وبلغ قوتهم أن الرجل كان يقتلع الصخرة من الجبل بيده { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } أولم يعلموا علماً يقوم مقام العيان { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } أوسع منهم قدرة لأنه قادر على كل شيء وهم قادرون على بعض الأشياء بإقداره { وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ } معطوف على { فَٱسْتَكْبَرُواْ } أي كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } عاصفة تصرصر أي تصوت في هبوبها من الصرير ، أو باردة تحرق بشدة بردها تكرير لبناء الصر وهو البرد قيل إنها الدبور { فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } مشئؤومات عليهم . { نَّحِسَاتٍ } مكي وبصري ونافع . ونُحِس نحساً نقيض سعد سعداً وهو نحس ، وأما نحس فإما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر وكانت من الأربعاء في آخر شوال إلى الأربعاء ، وما عذب قوم إلا في الأربعاء . { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أضاف العذاب إلى الخزي وهو الذل على أنه وصف للعذاب كأنه قال عذاب خزي كما تقول فعل السوء تريد الفعل السيء ، ويدل عليه قوله { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ } وهو من الإسناد المجازي ، ووصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به فشتان ما بين قوليك « هو شاعر » و « له شعر شاعر » . { وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } من الأصنام التي عبدوها على رجاء النصر لهم .