Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 12-22)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } مر في « الزمر » { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } أي يضيق { إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ شَرَعَ } بين وأظهر { لَكُم مِّنَ ٱلِِّدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء عليهم السلام ، ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } والمراد إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وسائر ما يكون المرء بإقامته مسلماً ، ولم يرد به الشرائع فإنها مختلفة قال الله تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } [ المائدة : 48 ] . ومحل { أَنْ أَقِيمُواْ } نصب بدل من مفعول { شَرَعَ } والمعطوفين عليه ، أو رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع ؟ فقيل : هو إقامة الدين { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } ولا تختلفوا في الدين قال علي رضي الله عنه : لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب . { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ } عظم عليهم وشق عليهم { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } من إقامة دين الله والتوحيد { ٱللَّهُ يَجْتَبِى } يجتلب ويجمع { إِلَيْهِ } إلى الدين بالتوفيق والتسديد { مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } يقبل على طاعته { وَمَا تَفَرَّقُواْ } أي أهل الكتاب بعد أنبيائهم { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء عليهم السلام { بَغْياً بَيْنَهُمْ } حسداً وطلباً للرياسة والاستطالة بغير حق { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهي { بل الساعة موعدهم } { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } لأهلكوا حين افترقوا لعظم ما اقترفوا { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِهِمْ } هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم { لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ } من كتابهم لا يؤمنون به حق الإيمان { مُرِيبٍ } مدخل في الريبة . وقيل : وما تفرق أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى : { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِهِمْ } [ الشورى : 14 ] . هم المشركون أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل . { فَلِذَلِكَ } فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعباً { فَٱدْعُ } إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القوية { وَٱسْتَقِمْ } عليها وعلى الدعوة إليها { كَمَا أُمِرْتَ } كما أمرك الله { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } المختلفة الباطلة { وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبٍ } بأي كتاب صح أن الله تعالى أنزله يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض كقوله : { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } إلى قوله { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ حَقّاً } [ النساء : 150 - 151 ] { وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ } في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إليّ { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي كلنا عبيده { لَنَآ أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } هو كقوله { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ } [ الكافرون : 6 ] ويجوز أن يكون معناه إنا لا نؤاخذ بأعمالكم وأنتم لا تؤاخذون بأعمالنا { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي لا خصومة لأن الحق قد ظهر وصرتم محجوبين به فلا حاجة إلى المحاجة ، ومعناه لا إيراد حجة بيننا لأن المتحاجين يورد هذا حجته وهذا حجته { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } يوم القيامة { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } المرجع لفصل القضاء فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى ٱللَّهِ } يخاصمون في دينه { مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ } من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا في الإسلام ليردوهم إلى دين الجاهلية كقوله : { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا } [ البقرة : 109 ] . كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين : كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم وأولى بالحق . وقيل : من بعد ما استجيب لمحمد عليه السلام دعاؤه على المشركين يوم بدر { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } باطلة وسماها حجة وإن كانت شبهة لزعمهم أنها حجة { عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } بكفرهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } في الآخرة . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي جنس الكتاب { بِٱلْحَقِّ } بالصدق أو ملتبساً به { وَٱلْمِيزَانَ } والعدل والتسوية . ومعنى إنزال العدل أنه أنزله في كتبه المنزلة . وقيل : هو عين الميزان أنزله في زمن نوح عليه السلام { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } أي لعل الساعة قريب منك وأنت لا تدري والمراد مجيء الساعة ، أوالساعة في تأويل البعث . ووجه مناسبة اقتراب الساعة مع إنزال الكتب والميزان أن الساعة يوم الحساب ووضع الموازين بالقسط فكأنه قيل : أمركم الله بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع فاعملوا بالكتاب والعدل قبل أن يفاجئكم يوم حسابكم ووزن أعمالكم . { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } استهزاء { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ } خائفون { مِنْهَا } وجلون لهولها { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } الكائن لا محالة { أَلآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ } المماراة الملاحّة لأن كل واحد منهما يمري ما عند صاحبه { لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ } عن الحق لأن قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله تعالى ، وقد دل الكتاب والسنة على وقوعها ، والعقول تشهد على أنه لا بد من دار جزاء . { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } في إيصال المنافع وصرف البلاء من وجه يلطف إدراكه وهو بر بليغ البر بهم قد توصل بره إلى جميعهم . وقيل : هو من لطف بالغوامض علمه وعظم عن الجرائم حلمه ، أو من ينشر المناقب ويستر المثالب ، أو يعفو عمن يهفو ، أو يعطي العبد فوق الكفاية ويكلفه الطاعة دون الطاقة . وعن الجنيد : لطف بأوليائه فعرفوه ولو لطف بأعدائه ما جحدوه { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } أي يوسع رزق من يشاء إذا علم مصلحته فيه ، في الحديث " إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغني ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك " { وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ } الباهر القدرة الغالب على كل شيء { ٱلْعَزِيزُ } المنيع الذي لا يغلب . { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ } سمى ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة حرثاً مجازاً { نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ } بالتوفيق في عمله أو التضعيف في إحسانه أو بأن ينال به الدنيا والآخرة { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا } أي من كان عمله للدنيا ولم يؤمن بالآخرة { نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي شيئاً منها لأن « من » للتبعيض وهو رزقه الذي قسم له لا ما يريده ويبتغيه { وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } وماله نصيب قط في الآخرة وله في الدينا نصيب ، ولم يذكر في عامل الآخرة أن رزقه المقسوم يصل إليه للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب { أَمْ لَهُمْ شُرَكٰؤُا } قيل : هي « أم » المنقطعة وتقديره بل ألهم شركاء . وقيل : هي المعادلة لألف الاستفهام . وفي الكلام إضمار تقديره أيقبلون ما شرع الله من الدين أم لهم آلهة { شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } أي لم يأمر به ؟ { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء أي ولولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } بين الكافرين والمؤمنين أو لعجلت لهم العقوبة { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وإن المشركين لهم عذاب أليم في الآخرة وإن أخر عنهم في دار الدنيا { تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } المشركين في الآخرة { مُشْفِقِينَ } خائفين { مِمَّا كَسَبُواْ } من جزاء كفرهم { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } نازل بهم لا محالة أشفقوا أو لم يشفقوا { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فِى رَوْضَـٰتِ ٱلْجَنَّـٰتِ } كأن روضة جنة المؤمن أطيب بقعة فيها وأنزهها { لَهُم مَّا يَشَآءَونَ عِندَ رَبِّهِمْ } عند نصب بالظرف لا بـ « يشاؤون » { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } على العمل القليل .