Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-11)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فصل { حـم } من { عسق } كتابة مخالفاً لـ { كهيعص } تلفيقاً بأخواتها ولأنه آيتان و { كهيعص } آية واحدة { كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ } أي مثل ذلك الوحي أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك { وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } وإلى الرسل من قبلك { ٱللَّهُ } يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله وفي غيرها من السور ، وأوحاه إلى من قبلك يعني إلى رسله . والمعنى أن الله كرر هذه المعاني في القرآن وفي جميع الكتب السماوية لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ليس من نبي صاحب كتاب إلا أوحي إليه بـ { حـم عسق } . { يُوحَى } بفتح الحاء : مكي . ورافع اسم الله على هذه القراءة ما دل عليه { يُوحَى } كأن قائلاً قال : من الموحي ؟ فقيل : الله { ٱلْعَزِيزُ } الغالب بقهره { ٱلْحَكِيمُ } المصيب في فعله وقوله { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ملكاً وملكاً { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ } شأنه { ٱلْعَظِيمُ } برهانه . { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ } وبالياء : نافع وعلي . { يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } يتشققن ، { ينفطرن } : بصري وأبو بكر ومعناه يكدن ينفطرن من علو شأن الله وعظمته يدل عليه مجيئه بعد قوله { ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ } وقيل : من دعائهم له ولداً كقوله { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [ مريم : 90 ] ومعنى { مِن فَوْقِهِنَّ } أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية . وكان القياس أن يقال ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها كلمة الكفر لأنها جاءت من الذين تحت السماوات ، ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق كأنه قيل : يكدن ينفطرن من الجهة التي فوقهن مع الجهة التي تحتهن . وقيل : من فوقهن من فوق الأرض فالكناية راجعة إلى الأرض لأنه بمعنى الأرضين . وقيل : يتشققن لكثرة ما على السماوات من الملائكة ، قال عليه السلام " أطت السماء أطاً وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد " { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } خضوعاً لما يرون من عظمته { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ } أي للمؤمنين منهم كقوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } [ غافر : 7 ] خوفاً عليهم من سطواته أو يوحدون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات حامدين له على ما أولاهم من ألطافه ، متعجبين مما رأوا من تعرضهم لسخط الله تعالى ، ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض الذين تبرءوا من تلك الكلمة ، أو يطلبون إلى ربهم أن يحلم عن أهل الأرض ولا يعاجلهم بالعقاب { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } لهم { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } أي جعلوا له شركاء وأنداداً { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } رقيب على أقوالهم وأعمالهم لا يفوته منها شيء فيجازيهم عليها { وَمَآ أَنتَ } يا محمد { عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } بموكل عليهم ولا مفوض إليك أمرهم إنما أنت منذر فحسب . { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } وذلك إشارة إلى معنى الآية التي قبلها من أن الله رقيب عليهم لا أنت بل أنت منذر لأن هذا المعنى كرره الله في كتابه أو هو مفعول به لـ { أَوْحَيْنَا } { قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } حال من المفعول به أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربي بيّن { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } أي مكة لأن الأرض دحيت من تحتها ولأنها أشرف البقاع والمراد أهل أم القرى { وَمَنْ حَوْلَهَا } من العرب { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } يوم القيامة لأن الخلائق تجتمع فيه { لاَ رَيْبَ فِيهِ } اعتراض لا محل له ، يقال : أنذرته كذا وأنذرته بكذا . وقد عدي { لّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } إلى المفعول الأول { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } إلى المفعول الثاني { فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ } أي منهم فريق في الجنة ومنهم فريق في السعير ، والضمير للمجموعين لأن المعنى يوم جمع الخلائق . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً } أي مؤمنين كلهم { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِ } أي يكرم من يشاء بالإسلام { وَٱلظَّـٰلِمُونَ } والكافرون { مَا لَهُمْ مِّن وَلِىٍّ } شافع { وَلاَ نَصِيرٍ } دافع { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِىُّ } الفاء لجواب شرط مقدر كأنه قيل بعد إنكار كل ولي سواه إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق ، وهو الذي يجب أن يتولى وحده لا ولي سواه . { وَهُوَ يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } فهو الحقيق بأن يتخذ ولياً دون من لا يقدر على شيء { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ } حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أي ما خالفتكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمر من أمور الدين { فَحُكْمُهُ } أي حكم ذلك المختلف فيه مفوض { إِلَى ٱللَّهِ } وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين { ذٰلِكُمُ } الحاكم بينكم { ٱللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } فيه رد كيد أعداء الدين { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أرجع في كفاية شرهم . وقيل : وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه فقولوا : الله أعلم كمعرفة الروح وغيره . { فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } ارتفاعه عل أنه أحد أخبار { ذٰلِكُمْ } أو خبر مبتدأ محذوف { جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } خلق لكم من جنسكم من الناس { أَزْوٰجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ أَزْوٰجاً } أي وخلق للأنعام أيضاً من أنفسها أزواجاً { يَذْرَؤُكُمْ } يكثركم . يقال : ذرأ الله الخلق بثهم وكثرهم { فِيهِ } في هذا التدبير وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل ، واختير { فِيهِ } على « به » لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير . والضمير في { يَذْرَؤُكُمْ } يرجع إلى المخاطبين والأنعام مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } قيل : إن كلمة التشبيه كررت لتأكيد نفي التماثل وتقديره ليس مثله شيء . وقيل : المثل زيادة وتقديره ليس كهو شيء كقوله تعالى : { فَإِنْ ءامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءامَنْتُمْ بِهِ } [ البقرة : 137 ] . وهذا لأن المراد نفي المثلية ، وإذا لم تجعل الكاف أو المثل زيادة كان إثبات المثل . وقيل : المراد ليس كذاته شيء لأنهم يقولون « مثلك لا يبخل » يريدون به نفي البخل عن ذاته ويقصدون المبالغة في ذلك بسلوك طريق الكناية ، لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده فقد نفوه عنه فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله « ليس كالله شيء » وبين قوله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها وكأنهم عبارتان متعقبتان على معنى واحد وهو نفي المماثلة عن ذاته ونحوه { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [ المائدة : 64 ] فمعناه بل هو جواد من غير تصور يد ولا بسط لها ، لأنها وقعت عبارة عن الجود حتى إنهم استعملوها فيمن لا يد له فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لجميع المسموعات بلا أذن { ٱلبَصِيرُ } لجميع المرئيات بلا حدقة ، وكأنه ذكرهما لئلا يتوهم أنه لا صفة له كما لا مثل له .