Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 19-32)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } أي سموا وقالوا إنهم إناث { عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } مكي ومدني وشامي ، أي عندية منزلة ومكانة لا منزل ومكان . والعباد جمع عبد وهو ألزم في الحجاج مع أهل العناد لتضاد بين العبودية والولاد { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } وهذا تهكم بهم يعني أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم ، فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ولا تطرقوا إليه باستدلال ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم ولم يشاهدوا خلقهم حتى يخبروا عن المشاهدة { سَتُكْتَبُ شَهَـٰدَتُهُمْ } التي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم { وَيُسْـئَلُونَ } عنها وهذا وعيد . { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَـٰهُمْ } أي الملائكة . تعلقت المعتزلة بظاهر هذه الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء الإيمان ، فإن الكفار ادعوا أن الله شاء منهم الكفر وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام حيث قالوا { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَـٰهُمْ } أي لو شاء منا أن نترك عبادة الأصنام لمنعنا عن عبادتها ، ولكن شاء منا عبادة الأصنام ، والله تعالى رد عليهم قولهم واعتقادهم بقوله { مَّا لَهُم بِذَلِكَ } المقول { مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي يكذبون ، ومعنى الآية عندنا أنهم أرادوا بالمشيئة الرضا وقالوا : لو لم يرض بذلك لعجل عقوبتنا ، أو لمنعنا عن عبادتها منع قهر واضطرار ، وإذ لم يفعل ذلك فقد رضي بذلك ، فرد الله تعالى عليهم بقوله { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } الآية . أو قالوا ذلك استهزاءً لا جداً واعتقاداً ، فأكذبهم الله تعالى فيه وجهلهم حيث لم يقولوا عن اعتقاد كما قال مخبراً عنهم . { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } [ يس : 47 ] . وهذا حق في الأصل ، ولكن لما قالوا ذلك استهزاءً كذبهم الله بقوله { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } [ يس : 47 ] وكذلك قال الله تعالى : { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } ثم قال { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] لأنهم لم يقولوه عن اعتقاد وجعلوا المشيئة حجة لهم فيما فعلوا باختيارهم ، وظنوا أن الله لا يعاقبهم على شيء فعلوه بمشيئته ، وجعلوا أنفسهم معذورين في ذلك ، فرد الله تعالى عليهم { أَمْ ءَاتَيْنَـٰهُمْ كِتَـٰباً مِّن قَبْلِهِ } من قبل القرآن أو من قبل قولهم هذا { فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } آخذون عاملون . وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره أشهدوا خلقهم أم آتيناهم كتاباً من قبله فيه أن الملائكة إناث { بَلْ قَالُوآ } بل لا حجة لهم يتمسكون بها لا من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع إلا قولهم { إِنَّا وَجَدْنَآ ءابَآءَنَا } على دين فقلدناهم وهي من الأم وهو القصد فالأمة الطريقة التي تؤم أي تقصد { وإِنّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُّهْتَدُونَ } الظرف صلة المهتدون أو هما خبران . { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } نبي { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أي متنعموها وهم الذين أترفتهم النعمة أي أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ويعافون مشاق الدين وتكاليفه { إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإِنَّا عَلَى ءَاثٰرِهِم مُّقْتَدُونَ } وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وبيان أن تقليد الآباء داء قديم { قَٰلَ } شامي وحفص أي النذير ، { قُلْ } : غيرهما أي قيل للنذير قل { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابَآءَكُمْ } أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم ؟ { قَالُوآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } إنا ثابتون على دين آبائنا وإن جئتنا بما هو أهدى وأهدى { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } فعاقبناهم بما استحقوه على إصرارهم { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ } أي واذكر إذ قال { إِنَّنِى بَرَآءٌ } أي بريء وهو مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث كما تقول : رجل عدل وامرأة عدل وقوم عدل والمعنى ذو عدل وذات عدل { مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } استثناء منقطع كأنه قال : لكن الذي فطرني { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } يثبتني على الهداية { وَجَعَلَهَا } وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله { إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } { كَلِمَةً بَـٰقِيَةً فِى عَقِبِهِ } في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم والترجي لإبراهيم . { بَلْ مَتَّعْتُ هَـؤُلآءِ وَءَابَآءَهُمْ } يعني أهل مكة وهم من عقب إبراهيم بالمد في العمر والنعمة فاغتروا بالمهلة وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } أي القرآن { وَرَسُولٌ } أي محمد عليه السلام { مُّبِينٌ } واضح الرسالة بما معه من الآيات البينة . { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } القرآن { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَـٰفِرُونَ وَقَالُواْ } فيه متحكمين بالباطل { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ } فيه استهانة به { عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } أي رجل عظيم من إحدى القريتين كقوله { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] أي من أحدهما ، والقريتان : مكة والطائف . وعنوا بعظيم مكة الوليد بن المغيرة ، وبعظيم الطائف عروة بن مسعود الثقفي ، وأرادوا بالعظيم من كان ذا مال وذا جاه ولم يعرفوا أن العظيم من كان عند الله عظيماً . { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتِ رَبِّكَ } أي النبوة ، والهمزة للإنكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من تحكمهم في اختيار من يصلح للنبوة { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } ما يعيشون به وهو أرزاقهم { فِى ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُنْيَّأ } أي لم نجعل قسمة الأدون إليهم وهو الرزق فكيف النبوة ؟ أو كما فضلت البعض على البعض في الرزق فكذا أخص بالنبوة من أشاء { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ } أي جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالي والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ } أي النبوة أو دين الله وما يتبعه من الفوز في المآب { خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا . ولما قلل أمر الدنيا وصغرها أردفه بما يقرر قلة الدنيا عنده فقال .