Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 33-51)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَوْلآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه { لَّجَعَلْنَا } لحقارة الدنيا عندنا { لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوٰباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً } أي لجعلنا للكفار سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً كلها من فضة ، وجعلنا لهم زخرفاً أي زينة من كل شيء . والزخرف الذهب والزينة ، ويجوز أن يكون الأصل سقفاً من فضة وزخرف أي بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفاً على محل { مِن فِضَّةٍ } لبيوتهم بدل اشتمال من { لِمَن يَكْفُرُ } . { سَقْفاً } على الجنس : مكي وأبو عمرو ويزيد . والمعارج جمع معرج وهي المصاعد إلى العلالي عليها يظهرون على المعارج يظهرون السطوح أي يعلونها { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } « إن » نافية و « لما » بمعنى إلا أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا ، وقد قرىء به . وقرأ { لَمَا } غير عاصم وحمزة على أن اللام هي الفارقة بين « إن » المخففة والنافية و « ما » صلة أي وإن كل ذلك متاع الحياة الدينا { وَٱلآخِرَةِ } أي ثواب الآخرة { عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } لمن يتقي الشرك . { وَمَن يَعْشُ } وقرىء { وَمَن يعش } والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشى يعشى ، وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به قيل عشا يعشو . ومعنى القراءة بالفتح ومن يعم { عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } وهو القرآن كقوله { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } ومعنى القراءة بالضم : ومن يتعام عن ذكره أي يعرف أنه الحق وهو يتجاهل كقوله : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] { نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } قال ابن عباس رضي الله عنهما : نسلطه عليه فهو معه في الدنيا والآخرة يحمله على المعاصي . وفيه إشارة إلى أن من داوم عليه لم يقرنه الشيطان { وَإِنَّهُمْ } أي الشياطين { لَيَصُدُّونَهُمْ } ليمنعون العاشين { عَنِ ٱلسَّبِيلِ } عن سبيل الهدى { وَيَحْسَبُونَ } أي العاشون { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } وإنما جمع ضمير { من } وضمير الشيطان لأن { من } مبهم في جنس العاشي وقد قيض له شيطان مبهم في جنسه فجاز أن يرجع الضمير إليهما مجموعاً { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } على الواحد : عراقي غير أبي بكر أي العاشي { جاآنا } غيرهم أي العاشي وقرينه { قَالَ } لشيطانه { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } يريد المشرق والمغرب فغلب كما قيل : العمران والقمران ، والمراد بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } أنت . { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ } إذ صح ظلمكم أي كفركم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين و « إذ » بدل من { ٱلْيَوْمَ } { أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } { أَنَّكُمْ } في محل الرفع على الفاعلية أي ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب ، أو كونكم مشتركين في العذاب كما كان عموم البلوى يطيب القلب في الدنيا كقول الخنساء : @ ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي ولا يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي @@ أما هؤلاء فلا يؤسّيهم اشتراكهم ولا يروحهم لعظم ما هم فيه . وقيل : الفاعل مضمر أي ولن ينفعكم هذا التمني أو الاعتذار لأنكم في العذاب مشتركون لاشتراككم في سببه وهو الكفر ، ويؤيده قراءة من قرأ { إِنَّكُمْ } بالكسر . { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } أي من فقد سمع القبول { أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ } أي من فقد البصر { وَمَن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } ومن كان في علم الله أنه يموت على الضلال . { فَإِمَّا } دخلت « ما » على « إن » توكيداً للشرط ، وكذا النون الثقيلة في { نَذْهَبَنَّ بِكَ } أي نتوفينك قبل أن ننصرك عليهم ونشفي صدور المؤمنين منهم { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } أشد الانتقام في الآخرة { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِى وَعَدْنَـٰهُمْ } قبل أن نتوفاك يعني يوم بدر { فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } قادرون وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال بقوله { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } الآية . ثم أوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة بقوله { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } الآيتين . { فَٱسْتَمْسِكْ } فتمسك { بِٱلَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ } وهو القرآن واعمل به { إِنَّكَ عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي على الدين الذي لا عوج له { وَإِنَّهُ } وإن الذي أوحي إليك { لَذِكْرٌ لَّكَ } لشرف لك { وَلِقَوْمِكَ } ولأمتك { وَسَوْفَ تُسْـئَلُونَ } عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وعن تعظيمكم له وعن شكركم هذه النعمة { وَسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ } ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء ، وكفاه نظراً وفحصاً نظره في كتاب الله المعجز المصدق لما بين يديه ، وإخبار الله فيه بأنهم يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً ، وهذه الآية في نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها . وقيل : إنه عليه السلام جمع له الأنبياء ليلة الإسراء فأمهم ، وقيل له : سلهم فلم يشكك ولم يسأل . وقيل : معناه سل أمم من أرسل وهم أهل الكتابين أي التوراة والإنجيل ، وإنما يخبرونه عن كتب الرسل فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء ، ومعنى هذا السؤال التقرير لعبدة الأوثان أنهم على الباطل . و { سَلْ } بلا همزة : مكي وعلي { رُسُلُنَا } أبو عمرو . ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإَِيْهِ فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ما أجابوه به عند قوله { إِنِّى رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } محذوف دل عليه قوله { فَلَمَّا جَآءَهُم بِـئَايَـٰتِنَا } وهو مطالبتهم إياه بإحضار البينة على دعواه وإبراز الآية { إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحراً . و « إذا » للمفاجأة وهو جواب « فلما » لأن فعل المفاجأة معها مقدر وهو عامل النصب في محل « إذا » كأنه قيل : فلما جاءهم بآياتنا فاجئوا وقت ضحكهم . { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ ءَايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها في نقض العادة ، وظاهر النظم يدل على أن اللاحقة أعظم من السابقة وليس كذلك بل المراد بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر ولا يكدن يتفاوتن فيه وعليه كلام الناس . يقال : هما أخوان كل واحد منهما أكرم من الآخر { وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ } وهو ما قال تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ } { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ } [ الأعراف : 133 ] الآية . { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن الكفر إلى الإيمان { وَقَالُواْ يَٰأيُّهَ ٱلسَّاحِرُ } كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لتعظيمهم علم السحر . { وَقَالُواْ يٰأيُّهُ ٱلسَّاحِرُ } بضم الهاء بلا ألف : شامي . ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت لالتقاء الساكنين اتبعت حركتها حركة ما قبلها { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } بعهده عندك من أن دعوتك مستجابة ، أو بعهده عندك وهو النبوة ، أو بما عهد عندك من كشف العذاب عمن اهتدى { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } مؤمنون به . { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } ينقضون العهد بالإيمان ولا يفون به { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ } نادى بنفسه عظماء القبط أو أمر منادياً فنادى كقولك « قطع الأمير اللص » إذا أمر بقطعه { فِى قَوْمِهِ } جعلهم محلاً لندائه وموقعاً له { قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ } أي أنهار النيل ومعظمها أربعة { تَجْرِى مِن تَحْتِى } من تحت قصري . وقيل : بين يدي في جناني . والواو عاطفة للأنهار على { مُلْكُ مِصْرَ } و { تَجْرِى } نصب على الحال منها ، أو الواو للحال واسم الإشارة مبتدأ ، والأنهار صفة لاسم الإشارة ، و { تَجْرِى } خبر للمبدأ ، وعن الرشيد أنه لما قرأها قال : لأولينها أخس عبيدي فولاها الخصيب وكان خادمه على وضوئه ، وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها فلما شارفها قال : أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال { أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ } والله لهي أقل عندي من أن أدخلها فثني عنانه { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } قوتي وضعف موسى وغناي وفقره .