Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 11-24)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هَـٰذَا هُدًى } إشارة إلى القرآن ويدل عليه { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبِّهِمْ } لأن آيات ربهم هي القرآن أي هذا القرآن كامل في الهداية كما تقول : زيد رجل أي كامل في الرجولية { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ } هو أشد العذاب { أَلِيمٌ } بالرفع : مكي ويعقوب وحفص صفة لـ { عذاب } وغيرهم بالجر صفة لـ { رجز } { ٱللَّهُ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ } بإذنه { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } بالتجارة أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } هو تأكيد ما في السمٰوات وهو مفعول { سَخَّرَ } وقيل : { جَمِيعاً } نصب على الحال { مِّنْهُ } حال أي سخر هذه الأشياء كائنة منه حاصلة من عنده ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هذه النعم كلها منه ، أو صفة للمصدر أي تسخيراً منه { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ } أي قل لهم اغفروا يغفروا فحذف المقول لأن الجواب يدل عليه . ومعنى يغفروا يعفوا ويصفحوا . وقيل : إنه مجزوم بلام مضمر تقديره ليغفرو فهو أمر مستأنف وجاز حذف اللام للدلالة على الأمر { لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه من قولهم لوقائع العرب أيام العرب . وقيل : لا يؤملون الأوقات التي وقتها الله تعالى لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها . قيل : نزلت في عمر رضي الله عنه حين شتمه رجل من المشركين من بني غفار فهم أن يبطش به { لِيَجْزِىَ } تعليل للأمر بالمغفرة أي إنما أمروا بأن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة . وتنكير { قَوْماً } على المدح لهم كأنه قيل : ليجزي أيما قوم و { قَوْماً } مخصوصين بصبرهم على أذى أعدائهم . { لنجزى } شامي وحمزة وعلي . { ليُجْزَىَ قَوْماً } يزيد أي ليجزى الخير قوماً فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه كما أضمر الشمس في قوله { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ ص : 32 ] لأن قوله { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِىّ } دليل على تواري الشمس ، وليس التقدير ليجزي الجزاء قوماً لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ومعك مفعول صحيح ، أما إقامة المفعول الثاني مقام الفاعل فجائز وأنت تقول جزاك الله خيراً { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الإحسان . { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } أي لها الثواب وعليها العقاب { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } أي إلى جزائه . { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِى إِسْرٰءِيلَ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة { وَٱلْحُكْمَ } الحكمة والفقه أو فصل الخصومات بين الناس لأن الملك كان فيهم { وَٱلنُّبُوَّةَ } خصها بالذكر لكثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } مما أحل الله لهم وأطاب من الأرزاق { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ } على عالمي زمانهم { وَءَاتَيْنَـٰهُم بَيِّنَـٰتٍ } آيات ومعجزات { مِّنَ ٱلأَمْرِ } من أمر الدين { فَمَا ٱخْتَلَفُوآ } فما وقع الخلاف بينهم في الدين { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } أي إلا من بعد ما جاءهم ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم وإنما اختلفوا لبغي حدث بينهم أي لعداوة وحسد بينهم { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } قيل : المراد اختلافهم في أوامر الله ونواهيه في التوراة حسداً وطلباً للرياسة لا عن جهل يكون الإنسان به معذوراً . { ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ } بعد اختلاف أهل الكتاب { عَلَىٰ شَرِيعَةٍ } على طريقة ومنهاج { مِّنَ ٱلأَمْرِ } من أمر الدين { فَٱتَّبِعْهَا } فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج والدلائل { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال ودينهم المبني على هوى وبدعة وهم رؤساء قريش حين قالوا : ارجع إلى دين آبائك { إِنَّهُمْ } إن هؤلاء الكافرين { لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ } وهم موالوه وما أبين الفضل بين الولايتين . { هَـٰذَا } أي القرآن { بَصَٰئِرُ لِلنَّاسِ } جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحاً وحياة { وَهُدَىً } من الضلالة { وَرَحْمَةٌ } من العذاب { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } لمن آمن وأيقن بالبعث { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ } « أم » منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان { ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَـٰتِ } اكتسبوا المعاصي والكفر ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله أي كاسبهم { أَن نَّجْعَلَهُمْ } أن نصيرهم وهو من « جعل » المتعدي إلى مفعولين فأولهما الضمير والثاني الكاف في { كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } والجملة التي هي { سَوَآءً مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } بدل من الكاف لأن الجملة تقع مفعولاً ثانياً فكانت في حكم المفرد ، { سَوَآء } علي وحمزة وحفص بالنصب على الحال من الضمير في { نَّجْعَلَهُمْ } ويرتفع { مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } بـ { سَوَآء } . وقرأ الأعمش { وَمَمَـٰتُهُمْ } بالنصب جعل { مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } ظرفين كمقدم الحاج أي سواء في محياهم وفي مماتهم . والمعنى إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محياً وأن يستووا مماتاً لافتراق أحوالهم أحياء ، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات وأولئك على اقتراف السيئات ، ومماتاً حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة وأولئك على اليأس من الرحمة والندامة ، وقيل : معناه إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة في الرزق والصحة ، وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام فبلغ هذه الآية فجعل يبكي ويردد إلى الصباح ، وعن الفضيل أنه بلغها فجعل يرددها ويبكي ويقول : يا فضيل ليت شعري من أي الفريقين أنت { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } بئس ما يقضون إذا حسبوا أنهم كالمؤمنين فليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقعد على مقام المخالفة بل نفرق بينهم فنعلي المؤمنين ونخزي الكافرين . { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } ليدل على قدرته { وَلِتُجْزَىٰ } معطوف على هذا المعلل المحذوف { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } أي هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } منه باختياره الضلال أو أنشأ فيه فعل الضلال على علم منه بذلك { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ } فلا يقبل وعظاً { وَقَلْبِهِ } فلا يعتقد حقاً { وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً } فلا يبصر عبرة ، { غِشَـٰوَةً } حمزة وعلي { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } من بعد إضلال الله إياه { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } بالتخفيف : حمزة وعلي وحفص ، وغيرهم بالتشديد . فأصل الشر متابعة الهوى والخير كله في مخالفته فنعم ما قال : @ إذا طلبتك النفس يوماً بشهوة وكان إليها للخلاف طريق فدعها وخالف ما هويت فإنما هواك عدو والخلاف صديق @@ { وَقَالُواْ مَا هِىَ } أي ما الحياة لأنهم وعدوا حياة ثانية { إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } التي نحن فيها { نَمُوتُ وَنَحْيَا } نموت نحن ونحيا ببقاء أولادنا ، أو يموت بعض ويحيا بعض ، أو نكون مواتاً نطفاً في الأصلاب ونحيا بعد ذلك ، أو يصيبنا الأمران الموت والحياة يريدون الحياة في الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة . وقيل : هذا كلام من يقول بالتناسخ أي يموت الرجل ثم تجعل روحه في موات فيحيا به { وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بإذن الله ، وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان ، وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان ومنه قوله عليه السلام : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } وما يقولون ذلك من علم ويقين ولكن من ظن وتخمين .