Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 42-50)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } كرر للتأكيد أي هم سماعون ومثله { أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحْتِ } وهو كل ما لا يحل كسبه وهو من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة ، وفي الحديث " هو الرشوة في الحكم " وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام . وبالتثقيل مكي وبصري وعلي { فَإِن جَاءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } قيل : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيراً إذا تحاكم إليه أهل الكتاب بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم بينهم . وقيل : نسخ التخيير بقوله : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } { وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً } فلن يقدروا على الإضرار بك لأن الله تعالى يعصمك من الناس { وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ } بالعدل { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } العادلين . { وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدعون الإيمان به . « فيها حكم الله » حال من التوراة وهي مبتدأ وخبره « عندهم » { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } عطف على « يحكمونك » أي ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم لا يرضون به { وَمَا أُوْلَـئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } بك أو بكتابهم كما يدعون . { إِنَّا أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى } يهدي للحق { وَنُورٌ } يبين ما استبهم من الأحكام { يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } انقادوا لحكم الله في التوراة وهو صفة أجريت للنبيين على سبيل المدح ، وأريد بإجرائها التعريض باليهود لأنهم بعداء عن ملة الإسلام التي هي دين الأنبياء كلهم { لِلَّذِينَ هَادُواْ } تابوا من الكفر ، واللام يتعلق بـ « يحكم » { وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأحْبَارُ } معطوفان على « النبيون » أي الزهاد والعلماء { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ } استودعوا ، قيل : ويجوز أن يكون بدلاً من « بها » في « يحكم بها » { مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } « من » للتبيين والضمير في « استحفظوا » للأنبياء والربانيين والأحبار جميعاً ويكون الاستحفاظ من الله أي كلفهم الله حفظه ، أو لـ « الربانيون والأحبار » ويكون الاستحفاظ من الأنبياء { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء } رقباء لئلا يبدل { فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ } نهي للحكام عن خشيتهم غير الله في حكوماتهم وإمضائها على خلاف ما أمروا به من العدل خشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد { وَٱخْشَوْنِ } في مخالفة أمري وبالياء فيهما : سهل وافقه أبو عَمرو في الوصل { وَلاَ تَشْتَرُواْ } ولا تستبدلوا بآيات الله وأحكامه { ثَمَناً قَلِيلاً } وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } مستهيناً به { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } قال ابن عباس رضي الله عنهما : من لم يحكم جاحداً فهو كافر ، وإن لم يكن جاحداً فهو فاسق ظالم . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : هو عام في اليهود وغيرهم . { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } وفرضنا على اليهود في التوراة { أَنَّ ٱلنَّفْسَ } مأخوذة { بِٱلنَّفْسِ } مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق { وَٱلْعَيْنَ } مفقوءة { بِٱلْعَيْنِ وَٱلأنْفَ } مجدوع { بِٱلأنْفِ وَٱلأذُنَ } مقطوعة { بِٱلأذُنِ وَٱلسّنَّ } مقلوعة { بِٱلسِّنّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } أي ذات قصاص وهو المقاصة ومعناه ما يمكن فيه القصاص وإلا فحكومة عدل . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت . وقوله « أن النفس بالنفس » يدل عى أن المسلم يقتل بالذمي والرجل بالمرأة والحر بالعبد . نصب نافع وعاصم وحمزة المعطوفات كلها للعطف على ما عملت فيه « أن » . ورفعها عليٌّ للعطف على محل « أن النفس » لأن المعنى : وكتبنا عليهم النفس بالنفس إجراء لـ « كتبنا » مجرى « قلنا » ، ونصب الباقون الكل ورفعوا الجروح . والأذن بسكون الذال حيث كان : نافع . والباقون : بضمها وهما لغتان كالسحت والسحت { فَمَن تَصَدَّقَ } من أصحاب الحق { به } بالقصاص وعفا عنه { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } فالتصدق به كفارة للمتصدق بإحسانه قال عليه السلام " من تصدق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم ولدته أمه " { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } بالامتناع عن ذلك . { وَقَفَّيْنَا } معنى قفيت الشيء بالشيء جعلته في أثره كأنه جعل في قفاه يقال قفاه بقفوه إذا تبعه { عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ } عى آثار النبيين الذين أسلموا { بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدّقاً } هوحال من « عيسى » { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وآتيناه الإِنجيل فيه هُدىً ونورٌ ومُصَدَّقاً لَّما بين يديه من التوراة } أي وآتيناه الإنجيل ثابتاً فيه هدى ونور ومصدقاً ، فنصب « مصدقاً » بالعطف على ثابتاً الذي تعلق به فيه وقام مقامه فيه . وارتفع « هدى ونور » بثابتاً الذي قام مقامه فيه { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } انتصبا على الحال أي هادياً وواعظاً { لّلْمُتَّقِينَ } لأنهم ينتفعون به { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } وقلنا لهم احكموا بموجبه ، فاللام لام الأمر وأصله الكسر ، وإنما سكن استثقالاً لفتحة وكسرة وفتحة . « وليحكم » بكسر اللام وفتح الميم : حمزة على أنها لام كي أي وقفينا ليؤمنوا وليحكم . { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } الخارجون عن الطاعة . قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاث فيكون كافراً ظالماً فاسقاً ، لأن الفاسق المطلق والظالم المطلق هو الكافر . وقيل : ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمة الله ظالم في حكمه فاسق في فعله . { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي القرآن فحرف التعريف فيه للعهد { بِٱلْحَقّ } بسبب الحق وإثباته وتبيين الصواب من الخطأ { مُصَدّقاً } حال من « الكتاب » { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } لما تقدمه نزولاً . وإنما قيل لما قبل الشيء هو بين يديه لأن ما تأخر عنه يكون وراءه وخلفه فما تقدم عليه يكون قدامه وبين يديه { مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } المراد به جنس الكتب المنزلة لأن القرآن مصدق لجميع كتب الله فكان حرف التعريف فيه للجنس ، ومعنى تصديقه الكتب موافقتها في التوحيد والعبادة { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ يُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } وشاهداً لأنه يشهد له بالصحة والثبات { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } أي بما في القرآن { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ ٱلْحَقّ } نهى أن يحكم بما حرفوه وبدلوه اعتماداً على قولهم . ضمّن ولا تتبع معنى ولا تنحرف فلذا عدي بـ « من » فكأنه قيل : ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعاً أهواءهم ، أو التقدير عادلاً عما جاءك { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ } أيها الناس { شِرْعَةً } شريعة { وَمِنْهَـٰجاً } وطريقاً واضحاً . واستدل به من قال إن شريعة من قبلنا لا تلزمنا . ذكر الله إنزال التوراة على موسى عليه السلام ، ثم إنزال الإنجيل على عيسى عليه السلام ، ثم إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، وبين أنه ليس للسماع فحسب بل للحكم به فقال في الأول « يحكم به النبيون » وفي الثاني « وليحكم أهل الإنجيل » وفي الثالث « فاحكم بينهم بما أنزل الله » { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً } جماعة متفقة على شريعة واحدة { ولكن } أراد { لِيَبْلُوَكُمْ } ليعاملكم معاملة المختبر { فِى مآءتٰكُم } من الشرائع المختلفة فتعبّد كل أمة بما اقتضته الحكمة { فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرٰتِ } فابتدروها وسابقوا نحوها قبل الفوات بالوفاة . والمراد بالخيرات كل ما أمر الله تعالى به { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ } استئناف في معنى التعليل لاستباق الخيرات { جَمِيعاً } حال من الضمير المجرور والعامل المصدر المضاف لأنه في تقدير : إليه ترجعون { فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم وعاملكم ومفرطكم في العمل . { وَأَنِ ٱحْكُم } معطوف على « بالحق » أي وأنزلنا إليك الكتاب بالحق وبأن احكم { بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ } أي يصرفوك وهو مفعول له أي مخافة أن يفتنوك . وإنما حذره وهو رسول مأمون لقطع أطماع القوم { عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن الحكم بما أنزل الله إليك وأرادوا غيره { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } أي بذنب التولي عن حكم الله وإرادة خلافه فوضع « ببعض ذنوبهم » موضع ذلك وهذا الإبهام لتعظيم التولي ، وفيه تعظيم الذنوب فإن الذنوب بعضها مهلك فكيف بكلها ! { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ } لخارجون عن أمر الله { أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } يطلبون . وبالتاء شامي يخاطب بني النضير في تفاضلهم على بني قريظة وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القتلى سواء " فقال بنو النضير : نحن لا نرضى بذلك فنزلت . وسئل طاوس عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية . وناصب « أفحكم الجاهلية يبغون » { وَمَنْ أَحْسَنُ } مبتدأ وخبره وهو استفهام في معنى النفي أي لا أحد أحسن { مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً } هو تمييز . واللام في { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } للبيان كاللام في { هَيْتَ لَكَ } [ يوسف : 23 ] أي هذا الخطاب وهذا الاستفهام « لقوم يوقنون » فإنهم هم الذين يتبينون أن لا أعدل من الله ولا أحسن حكماً منه . وقال أبو علي : معنى لقوم عند قوم لأن اللام و « عند » يتقاربان في المعنى . ونزل نهياً عن موالاة أعداء الدين .