Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 96-107)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } مصيدات البحر مما يؤكل ومما لا يؤكل { وَطَعَامُهُ } وما يطعم من صيده . والمعنى : أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر ، وأحل لكم أكل المأكول منه وهو السمك وحده { مَتَـٰعاً لَّكُمْ } مفعول له أي أحل لكم تمتيعاً لكم { وَلِلسَّيَّارَةِ } وللمسافرين . والمعنى : أحل لكم طعامه تمتيعاً لتُنّائكم يأكلونه طرياً ولسيارتكم يتزودونه قديداً كما تزود موسى عليه السلام الحوت في مسيره إلى الخضر . { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ } ما صيد فيه وهو ما يفرخ فيه وإن كان يعيش في الماء في بعض الأوقات كالبط فإنه بري لأنه يتولد في البر والبحر له مرعى كما للناس متجر { مَا دُمْتُمْ حُرُماً } محرمين { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في الاصطياد في الحرم أو في الإحرام { ٱلَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } تبعثون فيجزيكم على أعمالكم . { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ } أي صير { ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } بدل أو عطف بيان { قِيَاماً } مفعول ثانٍ أو « جعل » بمعنى « خلق » و « قياماً » حال { لِلنَّاسِ } أي انتعاشاً لهم في أمر دينهم ونهوضاً إلى أغراضهم في معاشهم ومعادهم لما يتم لهم من أمر حجهم وعمرتهم وأنواع منافعهم . قيل : لو تركوه عاماً لم ينظروا ولم يؤخروا { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } والشهر الذي يؤدي فيه الحج وهو ذو الحجة لأن في اختصاصه من بين الأشهر بإقامة موسم الحج فيه شأناً قد علمه الله ، أو أريد به جنس الأشهر الحرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم . { وَٱلْهَدْىَ } ما يهدى إلى مكة { وَٱلْقَلَـٰئِدَ } والمقلد منه خصوصاً وهو البدن فالثواب فيه أكثر وبهاء الحج معه أظهر { ذٰلِكَ } إشارة إلى جعل الكعبة قياماً أو إلى ما ذكر من حفظ حرمة الإحرام بترك الصيد وغيره { لِتَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي لتعلموا أن الله يعلم مصالح ما في السموات وما في الأرض وكيف لا يعلم وهو بكل شيء عليم { ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } لمن استخف بالحرم والإحرام { وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لآثام من عظم المشاعر العظام { رَّحِيمٌ } بالجاني الملتجىء إلى البلد الحرام { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } تشديد في إيجاب القيام بما أمر به ، وأن الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت عليكم الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم في التفريط { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } فلا يخفى عليه نفاقكم ووفاقكم . { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } لما أخبر أنه يعلم ما يبدون وما يكتمون ذكر أنه لا يستوي خبيثهم وطيبهم بل يميز بينهما ، فيعاقب الخبيث أي الكافر ويثيب الطيب أي المسلم { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } وآثروا الطيب وإن قل على الخبيث وإن كثر . وقيل : هو عام في حلال المال وحرامه وصالح العمل وطالحه وجيد الناس ورديئهم . { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَـٰبِ } أي العقول الخالصة { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء امتحاناً فنزل : { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْـئَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ } قال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين : أصله « شيئاء » بهمزتين بينهما ألف وهي فعلاء من لفظ شيء وهمزتها الثانية للتأنيث ولذا لم تنصرف كـ « حمراء » وهي مفردة لفظاً جمع معنى ، ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الأولى التي هي لام الكلمة فجعلت قبل الشين فصار وزنها « لفعاء » ، والجملة الشرطية والمعطوفة عليها أي قوله { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْـئَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ } صفة لـ « أشياء » أي وإن تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي وهو ما دام الرسول بين أظهركم « تبد لكم » تلك التكاليف التي تسوؤكم أي تغمكم وتشق عليكم وتؤمرون بتحملها فتعرضون أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا } عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها { وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } لا يعاقبكم إلا بعد الإنذار . والضمير في { قَدْ سَأَلَهَا } لا يرجع إلى « أشياء » حتى يعدى بـ « عن » بل يرجع إلى المسألة التي دلت عليها « لا تسألوا » أي قد سأل هذه المسألة { قَوْمٌ مّن قَبْلِكُمْ } من الأولين { ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا } صاروا بسببها { كَـٰفِرِينَ } كما عرف في بني إسرائيل . { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } كان أهل الجاهلية إذا انتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا إذنها أي شقوها وامتنعوا من ركوبها وذبحها ، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى واسمها البحيرة . وكان يقول الرجل : إذا قدمت من سفري أو برأت من مرضي فناقتي سائبة وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها . وقيل : كان الرجل إذا أعتق عبداً قال : هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث . وكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان السابع ذكراً أكله الرجال ، وإن كان أنثى أرسلت في الغنم ، وكذا إن كان ذكراً وأنثى وقالوا : أوصلت أخاها فالوصيلة بمعنى الواصلة . وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى . ومعنى « ما جعل » ما شرع ذلك ولا أمر به { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بتحريمهم ما حرموا { يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } في نسبتهم هذا التحريم إليه { وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } أن الله لم يحرم ذلك وهم عوامهم { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } أي هلموا إلى حكم الله ورسوله بأن هذه الأشياء غير محرمة { قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا } أي كافينا ذلك ، « حسبنا » مبتدأ والخبر « ما وجدنا » « وما » بمعنى « الذي » والواو في { أَوَ لَّوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ } للحال قد دخلت عليها همزة الإنكار وتقديره : أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم { لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } أي الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدي وإنما يعرف اهتداؤه بالحجة { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } انتصب « أنفسكم » بـ « عليكم » وهو من أسماء الأفعال أي الزموا إصلاح أنفسكم . والكاف والميم في « عليكم » في موضع جر لأن اسم الفعل هو الجار والمجرور لا على وحدها { لاَ يَضُرُّكُمْ } رفع على الاستئناف ، أو جزم على جواب الأمر ، وإنما ضمت الراء إتباعاً لضمة الضاد { مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العناد من الكفرة يتمنون دخولهم في الإسلام فقيل لهم : عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها لا يضركم الضّلاّل عن دينكم إذا كنتم مهتدين ، وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن تركهما مع القدرة عليهما لا يجوز . { إِلَىٰ اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } رجوعكم { فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ثم يجزيكم على أعمالكم . روي أنه خرج بديل مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين مع عدي وتميم وكانا نصرانيين إلى الشام ، فمرض بديل وكتب كتاباً فيه ما معه وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه ، وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهله . ومات ففتشا متاعه ، فأخذا إناء من فضة فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالإناء فجحدا فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل : { يِـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ } ارتفع « اثنان » لأنه خبر المبتدأ وهو « شهادة » بتقدير شهادة بينكم شهادة اثنين ، أو لأنه فاعل « شهادة بينكم » أي فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان . واتسع في « بين » فأضيف إليه المصدر . « وإذا حضر » ظرف للشهادة و « حين الوصية » بدل منه ، وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية لأن حضور الموت من الأمور الكائنة ، « وحين الوصية » بدل منه فيدل على وجوب الوصية ولو وجدت بدون الاختيار لسقط الابتلاء فنقل إلى الوجوب ، وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل { ذَوَا عَدْلٍ } صفة لـ « اثنان » { مِّنكُمْ } من أقاربكم لأنهم أعلم بأحوال الميت { أو آخران } عطف على « اثنان » { مِنْ غَيْرِكُمْ } من الأجانب { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } سافرتم فيها . « وأنتم » فاعل فعل يفسره الظاهر { فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ } أو منكم من المسلمين ومن غيركم من أهل الذمة . وقيل : منسوخ إذ لا يجوز شهادة الذمي على المسلم ، وإنما جازت في أول الإسلام لقلة المسلمين { تَحْبِسُونَهُمَا } تقفونهما للحلف هو استئناف كلام أو صفة لقوله « أو آخران من غيركم » أي أو آخران من غيركم محبوسان ، « وإن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت » اعتراض بين الصفة والموصوف { مِن بَعْدِ ٱلصَّلوٰةِ } من بعد صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس . وعن الحسن رحمه الله : بعد العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما . وفي حديث بديل أنها لما نزلت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا بعديِّ وتميم فاستحلفهما عند المنبر فحلفا ثم وجد الإناء بمكة فقالوا : إنا اشتريناه من تميم وعدي . { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ } فيحلفان به { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } شككتم في أمانتهما وهو اعتراض بين « يقسمان » وجوابه وهو { لاَ نَشْتَرِي } وجواب الشرط محذوف أغنى عنه معنى الكلام والتقدير : إن ارتبتم في شأنهما فحلفوهما { بِهِ } بالله أو بالقسم { ثَمَناً } عوضاً من الدنيا { وَلَوْ كَانَ } أي المقسم له { ذَا قُرْبَىٰ } أي لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم له قريباً منا { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ } أي الشهادة التي أمر الله بحفظها وتعظيمها { إنّآ إذاً } إن كتمنا { لَّمِنَ ٱلآثِمِينَ } . وقيل : إن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين ، وإن أريد الوصيان فلم ينسخ تحليفهما .